برهومه ينعى سعدي يوسف…”الشيوعيّ الأخير يدخل الجنّة”

موسى برهومه –

الأول نيوز – يرحل الشيوعي الأخير الذي تاق أن يدخل الجنة. لوّح سعدي يوسف بالوداع من بعيد، بعدما هزمه الموت في أحد مشافي لندن اليوم. وبرحيله يترجّل واحد من أهم الشعراء الكبار الذي عاش الحياة بكل جموحها وتهتكها ورعونتها، وأهدى العربية أجمل قلائدها. إنه من جيل المؤسسين الذين أثروا على شعراء كثيرين مُجيدين ممن يكتبون قصيدة النثر. كان سعدي يوسف بمثابة إمام لهم، يقودهم في مجاهل التجريب، بلا أستذة أو استعلاء.
أحبُّ سعدي يوسف شخصياً، أحب الودّ المشع في قلبه، وقد لمسته غير مرة عندما كنت أزوره في منزله بعمّان (عندما كان مقترناً بالدكتورة فتحية السعودي، شقيقة الفنانة منى السعودي) في منزلهما في الشميساني قرب المستشفى التخصصي. كان يفضّل أن نلتقي في الحديقة بثياب زاهدة غير متحفظة، وبنبرة صوت منخفضة يخال المرء أنّ صاحبها على وشك النوم أو الاستلقاء على ظهره تحت كرمة عنب.
كان سخياً في التواصل معي، حيث لم يبخل بأي حوار أو تصريح أو تعليق، وبقينا على دفء وتواصل مباشرين، حتى ارتحل إلى لندن، واختار أن يقيم هناك قرب الضباب، ويواصل النزيف والألم عبر الكتابة في مختلف الميادين (شعراً ورواية وترجمة وتعليقاً). كانت الكتابة ملاذه الأخير، كان غزيراً متدفقاً مثيراً للرعب في مواقفه وخياراته السياسية التي أغضبتني. كيف لشاعر رقيق مثل سعدي يوسف أن يُناصر الطغاة؟ سألتُ نفسي كثيراً، ولكنني لم أعثر على إجابة حاسمة، سوى إنه سعدي بكل تقلباته ومزاجه المتكدّر المتحوّل الصاخب الذي لا يُقعي كثيراً أمام منزل المنطق. هذا هو التفسير الوحيد لديّ، لأنّ غير ذلك يضع سعدي يوسف في إطار النفاق والانتهازية والتزلف، وهو ليس محتاجاً إلى ذلك كله، فيما أحسب.
كنتُ بين الحين والآخر، حينما علمت بمرضه العضال، أطالع موقعه الإلكتروني، فأقرأ بعض القصائد القديمة والحديثة، وعلقت في بالي هذه القصيدة المؤرخة في 07.03.2021
حمَلَ القطارُ، وشالَ
ماذا كان يحملُ؟
قالَ أحمدُ: كان في العرباتِ جُنْدٌ.
قالَ عيسى: كانت العرباتُ ملأى بالتوابيتِ الجديدةِ.
قالَ موسى: في القطارِ سَبائكٌ ذهَبٌ.
………………
………………
………………
إذاً
حمَلَ القطارُ، وشالَ.
كانت في قطار الليلِ أُغنيةٌ
وكان الصوتُ لامرأةٍ تَئِنُّ:
يظَلُّ يضربُني، بتلك الخيزرانةِ
طولَ ليلي…
إنني امرأةٌ مهذّبةٌ،
وأهلي سادةٌ بـ ” أبي الخصيبِ “
وكان لي نخلٌ وبستانٌ،
ولكنّي هنا في منزلِ الغُرَباءِ …
والزوجُ الغريبُ يظلُّ يضربُني طوالَ الليلِ
يضربُني شديداً
هكذا
بالخيزرانةِ
أيُّ ليلٍ كان ذاكَ الليلُ، أيُّ اللَيـ ؟
*
حَمَلَ القطارُ، وشالَ
ماذا كان يحملُ؟

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

عدم دستورية قانون نقابة المعلمين: تبعات وتساؤلات

الأول نيوز – الدكتور المحامي احمد ناصر الطهاروة – الأول نيوز – في تطور قضائي …