أزمة التربية والتعليم في الأردن… قراءة في الجذور البنيوية لا في السطحيات

الاول نيوز – شيرين قسوس –

 

لا يمكن النظر إلى أزمة التعليم في الأردن بوصفها مشكلة آنية أو نتيجة قرارات حكومية متعاقبة فحسب؛ بل هي أزمة متجذّرة في البنية التي تأسس عليها النظام التعليمي منذ عقود، والتي بقيت حبيسة معادلات سياسية واجتماعية واقتصادية لم تتغير رغم التحولات العالمية الكبرى. إن محاولة فهم هذه الأزمة تتطلب النظر إلى التعليم كمنظومة مرتبطة بشكل وثيق بالاقتصاد والسياسات العامة والهوية الوطنية، لا مجرد مناهج وامتحانات.

أولًا: مركزية الدولة والبعد الإداري البيروقراطي

من أهم أسباب بطء التطوير أنّ التعليم ظلّ قطاعًا شديد المركزية، تُدار فيه التفاصيل الدقيقة من مكاتب الوزارة، مما يقيّد الإبداع ويحدّ من مرونة المدارس والمعلمين. فبدل تمكين الإدارات المدرسية لتكون وحدات تطوير محلي، بقيت السياسات تتخذ من الأعلى إلى الأسفل، ما خلق فجوة بين صانع القرار والواقع اليومي للطلبة والمعلمين.

هذه البيروقراطية عمّقت مشكلة غياب الاستقرار. فكل تغيير على مستوى الوزراء يعني تغييرًا في الأولويات، وفي أحيان كثيرة إلغاءً لمشاريع سابقة لم تُمنح الوقت الكافي لتثبت جدواها؛ وهكذا يدخل النظام في حلقة لا تنتهي من “البدايات الجديدة” دون اكتمال أي مشروع إصلاحي شامل.

ثانيًا: المناهج بين الصراع على الهوية ومتطلبات الحداثة

المناهج في الأردن ليست مجرد محتوى تعليمي، بل هي ساحة صراع بين تيارات فكرية واجتماعية مختلفة، كل منها يريد أن يضع بصمته على “شكل المواطن” الذي يُراد للنظام التعليمي أن ينتجه. ونتيجة لهذا الصراع الطويل، أصبحت المناهج خليطًا من الرغبة بالحداثة والخوف منها، ومن محاولة ترسيخ الهوية دون القدرة على تحديدها بوضوح.

هذا أدى إلى:

بطء في دمج مهارات التفكير والبحث العلمي.

تقديم المعرفة بصورة محفوظة لا مستكشفة.

الإفراط في المحتوى النظري، مع إهمال التطبيق العملي.

إنّ تطوير المناهج في الأردن ليس مجرد عمل أكاديمي، بل هو عمل سياسي واجتماعي معقد، وهذا ما يجعل التغيير الحقيقي بطيئًا ومثقلاً بالحذر.

ثالثًا: أزمة المعلم… جذر كل التحديات

المعلم هو الحلقة المركزية في العملية التعليمية، ومع ذلك بقيت سياسات إعداد المعلمين وتدريبهم وتقديرهم الوظيفي دون المستوى المطلوب.
فقد كان المعلم تاريخيًا يُنظر إليه بوصفه صانعًا للطبقة المتعلمة والوسطى، لكنه اليوم أصبح عاملًا مثقلًا بالمتطلبات الإدارية والصفية، دون حماية مهنية كافية أو أجر يعكس قيمة دوره.

العوامل المؤثرة:

غياب مسار مهني واضح يضمن تطورًا حقيقيًا للمعلم.

تدريب تقليدي لا يواكب تطور العلوم التربوية.

ضغوط صفية مع اكتظاظ المدرسة الحكومية.

ولعل أبرز ما يعمّق الأزمة هو أن المعلم مطالب بإنتاج تعليم عالي الجودة في بيئة لا توفر الحد الأدنى من الأدوات اللازمة للنجاح.

رابعًا: التوجيهي… الامتحان وليس المعرفة

أصبح امتحان الثانوية العامة “التوجيهي” ليس مجرد تقييم، بل مؤسسة قائمة بذاتها، تفرض ثقافتها على المدارس والطلبة والأهالي.
مشكلة التوجيهي ليست في صعوبته أو سهلويته، بل في كونه:

الامتحان الوحيد الذي يحدد المصير.

معيارًا مختزلًا في رقم واحد.

دافعًا للطلبة نحو الدروس الخصوصية والحفظ لا نحو التفكير والفهم.

تحوّل التوجيهي من أداة قياس إلى هيكل ضاغط يشلّ الإبداع، ويضع السنوات المدرسية كلها في خدمة سنة واحدة.

خامسًا: الفجوة الطبقية في التعليم

تفاقمت الهوة بين التعليم الحكومي والخاص إلى درجة تهدد العدالة الاجتماعية.
فالمدارس الخاصة تقدم بيئة تعليمية متقدمة نسبيًا، بينما تعاني معظم المدارس الحكومية من:

اكتظاظ كبير.

بنية تحتية قديمة.

نقص التجهيزات التقنية.

وعندما يصبح مستقبل الطالب مرهونًا بقدرة أسرته على دفع رسوم مدرسة خاصة، فإن التعليم يتحول من “حق” إلى “امتياز”.

سادسًا: التعليم وسوق العمل… انفصال لا التقاء

لا تزال المناهج بعيدة عن روح الاقتصاد الحديث:

مهارات التكنولوجيا، التفكير التحليلي، والابتكار ليست جزءًا أصيلًا من التجربة التعليمية.

التخصصات الجامعية غالبًا غير مرتبطة بفرص العمل الفعلية.

التعليم المهني محدود الانتشار ولا يُنظر إليه باعتباره مسارًا محترمًا.

وهكذا ينتج النظام التعليمي آلاف الخريجين سنويًا، دون أن يمتلكوا المهارات المطلوبة للاندماج الفعلي في سوق العمل.

خاتمة: نحو مشروع وطني جديد للتعليم

الأزمة التي يمر بها التعليم في الأردن ليست أزمة موارد أو قوانين فقط، بل أزمة رؤية شاملة.
إنّ أي إصلاح حقيقي يجب أن يقوم على:

1. لامركزية الإدارة وتمكين المدارس.

2. فيدنة السياسة التعليمية بعيدًا عن التغيّرات السياسية قصيرة المدى.

3. إعادة الاعتبار للمعلم عبر مسار مهني وأجر عادل.

4. تطوير المناهج على أسس علمية لا أيديولوجية.

5. تقليل مركزية التوجيهي واعتماد مسارات تقييم متعددة.

6. سد الفجوة بين التعليم الحكومي والخاص.

7. مواءمة التعليم مع متطلبات الاقتصاد والمعرفة الحديثة.

التعليم ليس أزمة قطاعية، بل هو مرآة لمستقبل الدولة والمجتمع.
وحين يصبح إصلاح التعليم أولوية وطنية حقيقية لا شعارًا، يمكن حينها فقط أن يبدأ الأردن خطواته نحو نظام تعليمي قادر على بناء جيلٍ واثق، واعٍ، ومهيأ لصناعة الغد.

عن Alaa

شاهد أيضاً

ﺗﺮاﻣﺐ ﯾﺴﺘﺜﻨﻲ ﺣﻤﺎس ﻣﻦ ﻗﺮار ﺣﻈﺮ اﻹﺧﻮان

ﺗﻐﺮﯾﺪ ﺳﻌﺎدة – الأول نيوز –   ﻗﺮار اﻟﺮﺋﯿﺲ اﻷﻣﺮﯾﻜﻲ دوﻧﺎﻟﺪ ﺗﺮاﻣﺐ ﻟﺪراﺳﺔ ﺗﺼﻨﯿﻒ ﺑﻌﺾ …