أفقدت الظروف السياسية المحيطة والتوترات الإقليمية في المنطقة قطاع النقل البري والشاحنات الأردنية العديد من الأسواق الإقليمية، ما ألحق بهذا القطاع خسائر قدرت قيمتها بنحو 630 مليون دينار خلال السنوات الخمس الماضية.
وتبلغ قيمة استثمارات قطاع النقل البري نحو مليار و500 مليون دينار، تسفتيد منه حوالي 80 ألف أسرة أردنية، ما يتسبب باخطار اجتماعية واقتصادية في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن.
ويوضح ثائر محمد أحد أصحاب الشاحنات المتضررة من هذه الأوضاع، أن نسبة خسارته تتجاوز الـ 80% مقارنة بالسنوات الماضية جراء توقف قطاع النقل البري عن العمل نتيجة الظروف الإقليمية من جهة وتدني أجور النقل من جهة أخرى، لافتاً الى أن مردود عمل شاحناته لا يغطي حتى مصروفها، ما يشكل تحديا لمستقبل هذا القطاع والعاملين فيه.
ويشير إلى أن أسعار الشاحنات انخفضت من 20- 30% مقارنة بالسنوات الماضية نتيجة لذات الأسباب، الأمر الذي يؤكد توالي الخسائر العاملين في هذا القطاع، إضافة إلى انخفاض أجور النقل جراء تكدس الشاحنات وارتفاع قيمة التأشيرات لبعض الدول المجاورة، مطالباً الجهات المعنية بفتح الأسواق الدولية والتوصل إلى حلول وآليات جديدة من شأنها إحياء قطاع النقل البري، إضافة إلى وضع حد أدنى لأجور النقل الداخلي والخارجي.
ويوافقه على ذلك “أبو نبيل” الذي يؤكد بأنه سيضطر إلى بيع شاحنته في حال بقيت الأوضاع على ما هي عليه، وذلك لعدم قدرتها على سد احتياجاته المعيشية من جهة، وعدم قدرتها على سداد بقية الأقساط المترتبة عليه من قيمة الشاحنة من جهة أخرى، مبيناً بأن حاله أصبح حال الكثيرين ممن يعملون في هذا القطاع والذين ضاقت بهم السبل نتيجة الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع الشحن والنقل البري، داعياً الجهات المعنية للاهتمام بهذا القطاع وإيجاد حلول تخفف من معاناة العاملين فيه.
وفي ذات الصدد، يعتبر نقيب أصحاب الشاحنات الأردنية محمد خير الداوود بأن قطاع النقل البري أصبح قطاعاً منكوباً ومتعثراً، وذلك لتأثره بما يحدث في دول الجوار من أزمات وصراعات وحروب وغيرها، انعكست بمجملها سلباً على جميع العاملين في هذا القطاع، مشيراً إلى وجود أكثر من 6000 شاحنة “متكدسة” بسبب إغلاقات دول الجوار، حيث أدت هذه الظروف إلى التأثير على أصحاب هذه الشاحنات والعديد من المهن المرتبطة فيها، كما يوجد أكثر من 80 ألف أسرة تعتمد في معيشتها على قطاع النقل البري الذي يعد واحد من أهم القطاعات التي تشكل رافداً أساسياً للإقتصاد الوطني بصورة عامة.
ويوضح أن توقف 6000 شاحنة عن العمل من أصل نحو 20000 شاحنة تعمل بمختلف أنماط النقل الداخلي والخارجي أدى إلى إنخفاض أجور النقل جراء المنافسة الشديدة فيما بينها نتيجة عدم وجود بدائل أمام أصحابها، الأمر الذي انعكس سلباً على قطاع النقل كاملا، كما أن ارتفاع قيمة تأشيرات دول الجوار لأكثر من خمسة أضعاف القيمة التي كان معمولاً بها في السابق تسببت بتوقف مزيد من الشاحنات لعزوف أصحابها عن التوجه إلى هذه الدول لعدم جدوى النقل إقتصادياً، ما زاد الأمر سوءً عما كان عليه في السنوات الأخيرة، لافتاً إلى أنه قد تجاوزت خسائر قطاع النقل البري حاجز الـ 630 مليون دينار خلال الخمس سنوات الأخيرة، من قطاع تبلغ قيمة استثماراته نحو مليار و500 مليون دينار.
ويدعو الداوود مختلف الجهات المعنية إلى الإلتفات لهذا القطاع ومحاولة إيجاد حلول للتحديات التي يعانيها، وذلك عبر ايجاد أسواق بديلة عن الأسواق التقليدية التي أصبحت تضيق الحصار على الشاحنات الأردنية بحجج قد تكون غير معقولة، والتوصل إلى حلول تجارية مع مختلف دول المنطقة لتسهيل حركة الشحن البري وفتح أسواق جديدة معها، ومراجعة كلف التأشيرات “الجديدة” التي بدأت في تطبيقها بعض دول الجوار عبر تخفيض قيمتها أو تطبيق المعاملة بالمثل لتحقيق تنافسية حقيقية تخدم القطاع، ووضع حد أدنى لأجور النقل الداخلي والخارجي بحيث لا تكون أقل من الكلف التشغيلية، بالإضافة إلى ضرورة إستثناء قطاع النقل البري من ضريبة الدخل في هذه الظروف نظراً لما يعانيه من خسارات كبيرة في الوقت الحالي.
وعلى ذلك، يؤكد الخبير في قطاع النقل ومدير عام هيئة تنظيم قطاع النقل البري الأسبق المهندس مروان الحمود، أن سبل العلاج لما يعانيه قطاع النقل من تحديات لا يمكن حصرها في حل واحد، إلا أن هناك مجموعة من الحلول التي يمكن أن تسهم في التخفيف من هذه الصعوبات التي تواجهها آلاف الشاحنات التي تعيل عشرات الآلآف من الأسر الأردنية، بحيث تبدأ الحلول بقيام الجهات المعنية بتوزيع الحمولات (حاويات، مشتقات نفطية، عامة) بشكل أكثر عدالة على الشاحنات من مراكز التحميل الرئيسية، وخاصة أن نحو 80% من الشاحنات هي ملكية فردية، ما يؤكد ضرورة توزيع الحمولات على هذا الأساس بالدرجة الأولى، إضافة إلى قيام الشركات الكبرى التي تملك أساطيل من الشاحنات ببذل مزيد من الجهود لتوزيع حمولاتها على الناقلين الأفراد خاصة في ظل الظروف الحالية.
ويضيف على الدولة ان تبذل مزيداً من الجهود في التوصل إلى حلول وتسويات من شأنها تسهيل عبور الشاحنات الأردنية لدول مجلس التعاون الخليجي ومراجعة كلفة التأشيرة والفترة الزمنية لها وعدد مرات العبور بحيث تخدم العلاقات التجارية بين مختلف الأطراف.
ويلفت الحمود إلى وجود العديد من الأسواق الواعدة لقطاع النقل البري، إلا أن العائق الأساسي يكمن في مشكلة العبور من جهة وارتفاع الكلفة من جهة أخرى، حيث يمكن في حال تم تخفيض الكلفة وبخاصة كلفة النقل عبر البحر خلق تنافسية حقيقية للعاملين في هذا القطاع، وفتح أسواق جديدة مثل مناطق شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، وبخاصة أن الناقل الأردني لديه الخبرة الإقليمية في التعامل مع هذه الأسواق في حال أثبتت جدواها الإقتصادية، داعياً في الوقت نفسه إلى ضرورة إجراء حوار بناء بين الجهات المعنية من جهة وأصحاب الشاحنات من جهة أخرى، يتم من خلاله التوصل إلى حلول مناسبة تسهم في تذليل الصعوبات التي يواجهها هذا القطاع بوجه عام.
ويشار إلى أن قطاع النقل البري والشاحنات في الأردن يعاني جراء الإضطرابات السياسية والأمنية التي تحيط بالمنطقة منذ أكثر من خمس سنوات، الأمر الذي أدى إلى توقف عمل آلاف الشاحنات وتكدسها نتيجة إغلاق العديد من المعابر الحدودية لدول الجوار، حتى بات هذا القطاع يرزح تحت وطأة ضغوظات إقتصادية كبيرة.