محمد داودية
( أهنيء الكاتب الصحافي التقدمي الصديق أسامة الرنتيسي بصدور “الأول نيوز” وأخص موقعه بهذه المقالة – النقوط ).
للمرة ال 14 يلبي الملك عبدالله الثاني دعوة صديقه القيصر الصلب فلاديمير بوتين رئيس جمهورية روسيا الاتحادية ويعقد فيها مع مضيفه، بحضور معلن لمدير المخابرات الاردنية، قمة مهمة، ذات آثار بعيدة المدى، وذات صلة بالملفات الكبرى في الإقليم: الإرهاب، سوريا، العلاقات الروسيىة – العربية والعلاقات الثنائية، قمة تستبق قمة عمان العربية وتتماهى معها وتتصل بها.
مبكرا، تنبه الملك عبدالله الثاني، الى الصعود الصاروخي لبطل الجودو، الأمني، الاكاديمي، الدبلوماسي، السياسي، الاستراتيجي، فلاديمير بوتين، فعقد معه صداقة شخصية، وتكونت كيمياء ثقة واعجاب متبادلين، يرى العالم انها صداقة تترسخ وتكبر مع مرور الأيام، كرسها الملك لخدمة القضايا العربية والقضية الفلسطينية والعلاقات الثنائية الأردنية الروسية. ويرى العالم انها تخدم السلام والعدل من حيث انها تعيد التوازن الى العلاقات الدولية وتسهم في انهاء مرحلة القطب الواحد.
وساعد في تطور الصداقة الشخصية بين الزعيمين وفي تطور العلاقات الثنائية بين البلدين، ان علاقات الاتحاد السوفياتي ووريثته روسيا، كانت علاقات خالية من تجربة الاستعمار وخبرة الاذلال المريرة، فلم تحتل روسيا ولا الاتحاد السوفياتي، أي بلد عربي، كما هو الحال مع الاستعمار الوحشي: الأمريكي والبريطاني والفرنسي والإيطالي والهولندي والاسباني والبرتغالي والبلجيكي والياباني، الذي امتهن شعوب العالم الثالث في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ونهبها. بل على العكس من ذلك، فان خبرة شعوب المنطقة وشعوب العالم مع الروس، هي خبرة سارة، تتسم بالعطاء والدعم الروسي لقضايا الشعوب وكفاحها من اجل الاستقلال، عسكريا ودبلوماسيا وسياسيا وماديا، وخاصة القضية الفلسطينية العادلة.
تسفر علاقات الصداقة التي تجمع الملك مع بوتين، عن تعاون واسع في مجال الصناعات العسكرية والتبادل التجاري والتعاون الاستخباري والأمن، ومأمول ان يتطور التعاون بوتائر اعلى، في مجال مكافحة الارهاب والتعاون العسكري والتسليح والعلاقات التجارية والسياحة والتعاون النووي السلمي ومشكلات المالية الاردنية. فقد استقر ان ما يجمع الأردن بروسيا هو مشتركات كثيرة، ابرزها الحرب على الإرهاب والعمل المخلص لوقف القتال في سوريا.
ان الدخول الروسي – ولا أقول التدخل- على ميدان الحرب السورية، الذي ملأ فراغا ملموسا، عجل الى درجة حاسمة، في التسليم لروسيا بإدارة ملفي القتال والسلام في سوريا، مما ادى الى انحسار تمدد تنظيمي داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية الاخرى، ومما دفع الأمريكان والاوروبيين والاتراك، الى الضغط على “حلفائهم” في سوريا من اجل الذهاب الى طاولة التفاوض. وسنتابع معا كيف ان التضحيات الروسية الجديدة والاكلاف الضخمة المترتبة عليها، سيتم ترجمتها الى اتفاقيات وعلاقات اقتصادية وامنية وعسكرية وسياسية في قادم الأيام. روسيا التي حققت حلم الحضور في المياه الدافئة، هي الشريك الجديد للعرب والفرنسيين والامريكان في الشرق الأوسط.
وتظل روسيا هي الدولة الثرية العملاقة، في مواردها وفي عمقها الحضاري والثقافي والعلمي والاستشراقي وسجلها الناصع في مجال دعم كفاح تطلعات شعوب العالم من اجل الحرية والاستقلال والكرامة الانسانية.
لقد حطم الاتحاد السوفياتي، الذي شكلت روسيا قوامه وعمود ارتكازه، تسونامي الشراهة النازية في الحرب الكونية الثانية، بتضحيات وصلت الى نحو 20 مليون قتيل ومصاب ومعاق ومفقود، وهو بهذه التضحيات الجسام، أسهم في تجنيت البشرية ويلات الاستعباد والاذلال.
روسيا، هي التي قدمت الى البشرية بوشكين وتشايكوفسكي وتولستوي وباسترناك وغوغول ومكسيم غوركي وتشيخوف ودوستويفسكي ولينين وغاغارين وأيضا قدمت فلاديمير بوتين، الذي أتوقع ان ينال جائزة نوبل للسلام بسبب جهوده الحاسمة في مكافحة الإرهاب ووقف القتال العبثي في سوريا، الذي قلنا مبكرا ان أحدا لن يرفع فيه رايات الاستسلام البيضاء.
وسنظل نتذكر بإمتنان، أن الاتحاد السوفياتي، هو من كشف مؤامرة سايكس بيكو على الامة العربية سنة 1917.
ننظر بكل الرضى الى علاقاتنا مع روسيا ونتأمل الكثير الكثير في مجال دعم القدرات العسكرية الأردنية والمساهمة المنتظرة في الضربات الجوية المباشرة على تجمعات الإرهابيين الذين يستعدون ويتحفزون لمهاجمة وطننا من الشمال الشرقي ومن حوض اليرمول في الشمال الغربي.