المناطق الآمنة.. محميات بشرية للسوريين!

الأول – تقترب موسكو وواشنطن من الاتفاق على تعريف موحد لمفهوم المناطق الآمنة التي دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إقامتها في سورية، لتوفير ملاذ آمن للاجئين في سورية. وأمس، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بما يوحي بذلك؛ بقوله إن الطرح الأميركي قد يكون مقبولا، إذا كان الهدف منه إنشاء مناطق للسكان الفارين من النزاع في سورية، وليس قاعدة انطلاق لإسقاط النظام، كما حصل في مدينة بنغازي الليبية، على أن تكون هذه المناطق تحت إشراف الأمم المتحدة، مشترطا موافقة الحكومة السورية عليه.

لم تقدم واشنطن بعد شرحا كافيا لمشروعها بهذا الصدد، لكن من المعلومات المتوافرة، يبدو أن إدارة ترامب تخطط لإقامة منطقتين آمنتين على الجانب السوري من الحدود مع الأردن وتركيا، على أن تتولى دول الخليج تمويلهما، فيما يتحمل الأردن وتركيا مسؤولية إدارتهما.

المرجح أن روسيا لن تقبل بهذا الطرح. والأكيد أنه ليس من مصلحة الأردن ولا تركيا المجازفة بإدارة تلك المناطق، لما ينطوي عليه الأمر من مخاطر أمنية وأكلاف مالية، ناهيك عن أن مهمة كهذه تتطلب إرسال قوات مسلحة إلى الداخل السوري، وهو أمر مرفوض قطعا على الأقل من الجانب الأردني.

وثمة شكوك عميقة لدى عديد المتابعين للأزمة السورية، في نجاعة المناطق الآمنة كخيار بديل ومقبول لملايين اللاجئين السوريين؛ سواء من يقيم منهم في دول الجوار السوري، أو أولئك الذين تمكنوا من الوصول إلى دول أوروبية.

في بال اللاجئين السوريين ستحضر معاناة أقرانهم في مخيم الركبان، الذي يعاني سكانه من ظروف معيشية بائسة، بالإضافة إلى خطر الهجمات الوحشية من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي.

وإذا ما قررت دول المنطقة إرسال قوات أمن لحماية المناطق الآمنة، فإن التنظيم الإرهابي سيعتبرها أهدافا مفضلة لهجماته الإرهابية.

المؤكد أن اللاجئين سيترددون في العودة إلى سورية، إذا لم تكن هذه العودة إلى مناطقهم الأصلية، لأننا باقتراح المناطق الآمنة نخير اللاجئين بين الحياة في دول مستقرة أو العودة إلى مخيمات على مقربة من ميادين الحرب، ولن يحتاج الأمر منهم طول تفكير للاختيار.

كما يشكك الكثيرون بالالتزام طويل المدى من الأمم المتحدة بإدارة هذه المناطق، وتوفير التمويل اللازم لها، بالنظر إلى ضعف الاستجابة الدولية لمتطلبات الدول المستضيفة حاليا للاجئين السوريين، واكتفاء المنظمات الأممية والدول المانحة بتقديم الحد الأدنى من احتياجات اللاجئين.

ولا يمكن للمرء أن يصدق أن دول الخليج العربي التي تعاني من ظروف اقتصادية معقدة، ستلتزم بضخ مليارات الدولارات لتوفير الحياة في المناطق الآمنة.

وتنبغي ملاحظة المتغيرات الأخيرة في سورية قبل الشروع  في خطوات مجهولة. هناك حاليا وقف لإطلاق النار. ورغم الخروقات المتفرقة، إلا أنه يشكل حالة متقدمة مقارنة مع الأوضاع السابقة. وقد يكون من الأفضل دعم هذا الاتفاق، وتحويله إلى واقع دائم، بحيث تتهيأ الظروف بعد فترة وجيزة لعودة اللاجئين إلى ديارهم، لا إلى مخيمات في الصحراء، وتوجيه الأموال لمساعدة السوريين على إعادة إعمار بلادهم، واستعادة دورة النشاط الاقتصادي، عوضا عن تحويلهم إلى شعب من اللاجئين في المخيمات، يتوسل الطعام والدواء. هذا لا يليق بالسوريين أبدا؛ فما يقترحه ترامب في الحقيقة، أقرب ما يكون إلى محميات بشرية.

الغد

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – الوفاء؛ الصفة الغائبة عن مجتمعنا منذ سنوات، رافقها …