تجديد عقل الدولة متطلب اجباري والاردنيون ينتظرون جراحات عميقة

الاول – اسامة الرنتيسي – عندما يختار المرء أن يركب البحر فلا بد له أن يمتطي صهوة سفينة لا صهوة حصان، فلكل طريق مركبه، ولكل سفينة ربان.. ولا نجاة لسفينة الوطن إلا بأشرعة عالية سليمة وطاقم بحارة مهرة كابدوا مشاق السياسة وواجهوا عواصفها.
انتظر الأردنيون، ومازالوا ينتظرون، تغييرات واسعة وجراحات عميقة في المستويين السياسي والأمني، وبخاصة بعد أحداث مدينة الكرك، لكن ها هي الأيام تمرّ ويعود رتم الحياة السياسية في البلاد إلى رتابتها، وكأن شيئاً لم يقع.
تجديد عقل الدولة السياسي متطلب إجباري، وتوسيع قاعدة الحكم لتضم أطيافاً جديدة، واتجاهات متعددة، هو طريق الخلاص من حالة التردد وعقم الحلول التي تتكرر بالسياسات والأشخاص، فلم يكن أحد يتوقع ألا يقر مجلس النواب قانون الموازنة، حتى عندما وُجِّه سؤالٌ قبل أيام إلى سياسي كبير: ماذا لو لم يقر المجلس قانون الموازنة.. فما الخطوة التالية؟ أجاب بوضوح: إن ذلك يضع مستقبل المجلس محل سؤال. وفُهم من الإجابة أن هذا تهديد مبطَّن باحتمالية وصول الأمور إلى حل المجلس!
في أيام مناقشة قانون الموازنة تحركت الماكينة الرسمية بكافة اتجاهاتها وزيّتت مُسنَّنات المجلس، وبخاصة لترضي الغاضبين منه، فكانت النتيجة مثلما هو معروف في النهاية، وبعد وصلات غضب خرج بعدها نواب محتجون على آلية التصويت، وطريقة تمرير قانون الموازنة، كما خرج “نواب مرسي” احتجاجاً على ذكر اسمه وعلاقاته مع الإدارة الأميركية ودعمها له.
لن تنتهي مشكلات البلاد بعد إقرار الموازنة، ولن تنفع كل محاولات رئيس الوزراء تجميل قرارات رفع الأسعار والضرائب حتى لو وصلت الاستثناءات إلى أكثر مما تم استثناؤه، وسوف تبقى الأزمة مفتوحة لأن المواطن يعرف حجم الزيادة التي ستقع على معظم نواحي الحياة، وبخاصة المعيشية منها.
خلال الأسبوعين الماضيين استمعنا إلى مداخلات عديدة من كبار صُنّاع القرار في البلاد، شخّصوا فيها طويلاً كل ما يجري، لكنّ المراقب يكتشف أن الرؤى غير متطابقة، وطريقة التفكير ليست واحدة، بل ومتعارضة، وغير منسجمة، ولا يوجد مطبخ حقيقي لصنع القرار.
هذا يسلط الضوء على فكرة تشكيل خلية وطنية يناط بها البحث في قضايا وتحديات المجتمع الأردني ولا سيما الظواهر السلبية في الأردن، بحيث تعمل على تشخيصها والوقوف على أسبابها ووضع الحلول الجذرية لها. صحيح أن الفكرة ليست جديدة وطرحت سابقاً، لكن الجديد فيها اعتراف السلطات القائمة – بصيغتها الحالية- أنها لم تتمكن من حل مشكلات البلد. ووجود هذه الخلية بات مطلباً ملحاً نتيجة ما وصلت إليه الأحداث والتطورات، ولا بد من تجديد عقل الدولة، بتوسيع قاعدة المشاركة والمساهمة، والتوقف عن استثناء من لا يتوافق مع “النظام السائد”، أو خارج علبة المشاورات والتشكيلات، ونبقى في نفس الأسطوانة عندما نضيف شخصاً ما إلى مجلس الأعيان، أو أي لجنة ملكية أخرى.
ما نحتاج إليه هو نقلة نوعية في إدارة الشؤون العامة، وفي طبيعة تركيبة السلطات القائمة، لأن الأزمات التي نمر بها غير مسبوقة، وليست عابرة بحيث تتم معالجتها بصفقات تعوّدنا عليها، وضحايا من كافة الأوزان. تجديد عقل الدولة يحتاج إلى مشاركة خبرات سياسية واقتصادية واجتماعية متخصصة أثبتت نجاحات في مجالات تخصصها، لكنها غائبة عن تقارير البطانات، وإن حضرت في التقارير فإن الغيرة والحسد وتكسير النجاحات حليفها.
تبقى الإشارة إلى ضرورة التنبه إلى ما يحدث من تطورات عالمية تعد في المنظور السياسي مفاجئة، ولا يوجد عاقل يضمن ألا تلقي هذه التطورات بظلالها على ساحتنا الداخلية، وما المطالبة بتجديد العقل السياسي والإداري في البلاد إلا لتجنب تلك التداعيات المحتملة.. فنحن في عصر ترامب!

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الأردن.. ارتفاع تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية

الأول نيوز  – قدر مشروع قانون الموازنة الإيرادات العامة بنحو (10233) مليون دينار، منها (9498) …