قدر لبنان مثل قدر كثير من البلدان العربية، التغيير فيه ممنوع، بل عصي على من يسعى اليه من قوى تغيير في مواجهة القوى الحاكمة او العاملة دوماً على تأبيد وجودها في السلطة، جاعلة من نفسها ” القضاء والقدر” اللذين لا مفر للبنانيين منهما…
مناسبة هذا الكلام، قانون الانتخابات النيابية العتيد الذي يُعمل الآن على انتاجه، فقوى التغيير تريد له ان يحدث “نقلة نوعية” الى الافضل في الحياة السياسية اللبنانية وفي النظام السياسي عبر ضخ دم جديد وجيل جديد في الجسم السياسي يؤسس لتغيير فعلي يليق بالعصر وبتطلعات الاجيال الراهنة واللاحقة، لكن كل ما يجري الى الآن لا يخرج عن محاولات لتركيب نظام انتخابي يبقي القديم على قدمه، ويكرس ذهنية الاستحواز على السلطة والاستمرار في مسلسل الفساد ونهب المال العام الذي هو علة العلل في هذا الوطن الصغير، وطن الارز وبلد الحرف، وطن “الماء والخضرة والشكل الحسن”…
في لبنان “أمراء طوائف” حاكمون باسم طوائفهم بتكليف أو من دون تكليف، بل أمراء يفرضون نفوذهم على طوائفهم التي بدلا من ان تكون غنى للتنوع اللبناني السياسي والديني حولها هؤلاء، او بعضهم على الاقل، اقطاعات طائفية، يصادرونلأنفسهم تمثيلها في السلطة ويستفيدون من حصصها في كل مواقع الدولة ومناصبها وإداراتها ويأخذونها اسلاباً ومغانم، ولذا يندر ان تجد سياسياَ او “أميرا من >أمراء الطوائف “زاهداً في الدنيا” وليس لديه ثروة طائلة كدسها عبر عشرات السنين من صرف النفوذ ومن تقاسم “الغلال” مع اقرانه، ناهيك بالمال السياسي العابر للأقاليم والقارات الى “القارة اللبنانية”..
التغيير في لبنان ممنوع لأنه يخرج هؤلاء “الأمراء الطائفيين” من السلطة التي ارادوها أبدية لهم يتوارثها الولد وولد الولد، وللسبب نفسه وبالمواصفات نفسها ممنوع التغيير في كثير من بلداننا العربية، ولو قدر لمحتكري السلطة لشطبوا كلمة “التغيير” من القاموس العربي ومن “لسان العرب” ولأعدموا كل من تعاطى الصرف والنحو والإعراب والتفسير والتنوين وكل الترجمات والمعاجم حتى لا يفكر احد أو يقرأ ما تعنيه كلمة “التغيير” حتى ولو كانت تعني تغيير أو حتى “تبديل” الثياب او المنزل او السيارة…
نعم التغيير “عدو لدود”، وعلى المواطنين ان يسلموا امورهم للنافذين المدججين بالمال والازلام والمحاسيب والمنتفعين والمستزلمين “الذين يأكلون من خبز السلطان ويضربون بسيفه” رقاب كل من يتعرض لهذا السلطان بكلمة، او حتى بطرفة عين..
في لبنان ممنوع على كل من بلغ سن الرشد، اي الثامنة عشرة ، من ممارسة حقه في انتخاب من يمثله في البرلمان، لأنه في رأي محتكري السلطة “راشد جسديا”؟! وليس راشداً فكرياً وسياسياً وانه ما زال مراهقاً في الفهم السياسي. يصلح ان يدخل الى السلك العسكري ضابطاً او جندياً اوالى الوظيفة العامة في هذا السن، وممنوع عليه ان ينتخب الى ان يبلغ سن الحادية والعشرين… تلك هي المهزلة، وذلك هو خوف الطبقة السياسية من جيل التغيير الذي تحاول دوما تطويعه وتدجينه وـأطيره بعقليتها القائمة على حب “السلطة الأبدية”!..
أمراء الطوائف يسابقون الطامحين الى التغيير فعلاً الى المطالبة بهذا التغيير، ولكن عن اي تغيير يتحدثون؟
إنه توريث السلطة والنفوذ من الجد الى الأب والابن والحفيد، وتوريث الثروات ومصادر الثروات التي لا تنضب، وان نضبت، فثمة مال لتأمين “مصادر بديلة” لأن “البقرة الحلوب اللبنانية” إذا جفّ ضرعهما يمكن استبدالها ببقرة هولدنية…!
إنه مسلسل “المال والسلطة” من دالاس، الذي كنا نشاهده في صغرنا على شاشة التلفاز “الاسود والابيض” قبل ان يدخل عصر الالوان الطبيعية “سيكام”. ففي لبنان كما في بعض البلدان العربية “الدخول الى السلطة تأتيك بالمال”، والعكس صحيح “المال يأتيك بالسلطة”…. وإنتظروا التغيير بعد ألف عام.
*مدير تحرير صحيفة “الجمهورية” في لبنان