إلغاء امتحان التوجيهي.. إنجاز الوزير الجديد

أسامة الرنتيسي
ما يزيد عن 100 ألف عائلة أردنية، وضعف هذا الرقم من الأهل والأصحاب حولهم، يعيشون هذه الأيام في حالة قلق شديد، ويخضعون لابتزاز الشائعات حول متى ستعلن نتائج الثانوية العامة التوجيهي.
ليست المرة الأولى التي يجتهد فيها كتّاب وصحافيون، ويطالبون بإعادة النظر في أسس امتحان الثانوية العامة، كما لم يترك أهم الخبراء في التربية والتعليم الدكتور ذوقان عبيدات والأستاذ حسني عايش فرصة إلا وناقشا هذه الفكرة، كما قدّم عايش عدة اقتراحات من أهمها خفض عدد المواد التي يتقدم بها الطالب أو الطالبة للامتحان إلى النصف أو أقل أو أكثر قليلاً، أي حسب متطلبات التخصص الجامعي الذي يرغب الطالب أو الطالبة فيه، وبحيث يكون تقدم المزيد منها اختيارياً (أو متطلباً جامعياً) وحسب ما هو معمول به في كثير من البلدان المتقدمة، وعلى أن تكون اللغة العربية واللغة الإنجليزية أو الأجنبية الجامع المشترك بين جميع المتقدمين والمتقدمات للامتحان والتخصصات الجامعية.
ويؤكد عايش أن ربط مواد الامتحان نوعاً وعدداً بطبيعة التخصص الجامعي كفيل بتحسين التعلم ورفع سويته، وبالتالي سوية الخريجين في الجامعة. لماذا يطلب من طالب أو طالبة متفوقَين في الرياضيات النجاح في الجغرافيا أو في التاريخ ليقبلا في تخصص الرياضيات في الجامعة؟ ولماذا يطلب من طالب أو طالبة بارعَين في آداب اللغة النجاح في الفيزياء ليقبلا في تخصص اللغة وهكذا؟ لقد درسا بقية المواد لمدة أحد عشر سنة حصلا خلالها على الثقافة العامة فيها.
أما الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات فيؤكد دائماً: أن “تضارب شكل التوجيهي في بلادنا، لا يعكس تطوراً تربوياً مؤسسياً، فالوزارة كانت محايدة دائماً ومزاج الوزير (أي وزير) وألاعيبه هي الحكم”، كما وأعاد عيوب امتحان الثانوية إلى “أنه أصبح يشكل رهاباً مستقبلياً، ولا يقيس مدى تفاوت البيئات التعليمية ولا يحقق أدنى درجات العدالة”، مؤكداً في أحد اقتراحاته أن “على الوزارة إلغاء الامتحان العام والاكتفاء بالمدرسي، وعلى الجامعات أن تحل مشكلة تصنيف الطلاب في التخصصات تبعاً لامتحانات القبول”.
لقد بذلت خلال السنوات الماضية جهود كبيرة أمنية وإدارية لضبط امتحانات التوجيهي من الغش حتى تحولت إلى قضية سيادية بالمعنى الحكومي، ومع هذا لم يتم وقفها نهائياً.
لا نشكك في النوايا الطيبة التي كانت لدى وزير التربية السابق الدكتور محمد الذنيبات، الذي حاول بكل ما أوتي من سلطة أن يحسّن من أداء وزارة التربية، لكن لم يبرر حتى الآن ماذا سنفعل إذا ارتفع عدد المدارس الحكومية التي لم ينجح فيها أحد عن السنة الماضية التي بلغت 342 مدرسة.
الغش في امتحانات الثانوية العامة لم يعد حكراً على الأردنيين، فقد وقعت حالات غش عديدة في امتحانات الثانوية العامة في فلسطين ومصر، وقد ارتفعت الأصوات عالية مطالبة بإعادة النظر في جدوى الامتحان، بعد أن تطورت أساليب الغش واستفاد الغشاشون من التطورات التكنولوجية لأجهزة الهواتف، بحيث يتم استغلالها في تهريب الأسئلة إلى خارج قاعات الامتحان لأشخاص جاهزين لحلها وإعادة إرسالها من جديد.
لقد خضع امتحان التوجيهي في الأردن إلى تجارب نقلها وزراء التربية كل على طريقته الخاصة، ففي السنوات الأخيرة جرت تعديلات على أسس الامتحان، لا يمكن أن تصنع طمأنينة لدى الطلبة ولا لدى أهلهم، بل إن معظم الأردنيين لم يعودوا يعرفون أسس الامتحان ولا طريقة اختيار المواد الدراسية، حتى أولياء أمور الطلبة ذاتهم مصدومون من جهلهم في التغييرات التي وقعت على الامتحان وهم لم يتمكنوا من متابعتها.
ليست أسس الامتحان فقط التي أصابها الإرباك، بل طريقة تقديم الامتحانات، حتى اضطرت وزارة التربية إلى نقل طلاب من مدنهم وقراهم ليقدموا الامتحان في مراكز المحافظات كوسيلة لضبط الغش، مما أثقل كاهل الأهالي والوزارة في ذات الوقت.
حتى قضية إعلان نتائج التوجيهي، لا أحد يعلم لماذا تحتاج إلى أكثر من شهر لاستخراجها، وفي دول أخرى، عدد طلابها خمسة أضعاف طلبتنا كالسعودية ومصر مثلاً، لا تحتاج سوى أيام قليلة، وفي دول أخرى تعلن النتائج بعد يومين من تقديم آخر امتحان، ومع كل هذه المدة التي تصرفها الوزارة لاستخراج النتائج، لكن نسبة الأخطاء ليست قليلة، ولنا تجربة مؤلمة قبل سنوات.
لم يعد مقبولاً المبررات التي تسوقها الوزارة سنوياً، على غرار أن جميع الأسئلة من المنهاج، وأنها في مستوى الطالب الضعيف والمتوسط والجيد والممتاز، وأن هناك استعدادات أمنية مكثّفة لضمان عدم تسريب الأسئلة ومنع حالات الغش.
لا حل إلا بالتفكير الجدّي في إلغاء امتحان الثانوية العامة، والبحث عن بدائل أخرى للقبول الجامعي، مثلما تفعل دول عديدة، حيث يترتب على الطالب الحصول على علامات محددة في مواد جامعية معينة تؤهله للحصول على المقعد الجامعي والتخصص الذي يريد، أما أن نبقى خاضعين لامتحان لم يعد مقياساً نموذجياً لمستوى الطلبة فإننا نتأخر عن ركب الدول المتقدمة.
بحسب أرقام غير رسمية فإن نحو 240 ألف طالب رسبوا في امتحان الثانوية العامة خلال السنوات الأربع الماضية، هذه الأعداد الكبيرة من الطلبة تركت في الشارع من دون أماكن تعليمية تحتضنهم، وأصبحوا في المحصلة في عداد طوابير جيش البطالة، كما أصبحوا لقمة سائغة لأصحاب الفكر المتطرف لاستقطابهم وتقديم الإغراءات لهم.
نريد أن نشعر أن تغييراً حقيقياً حدث في وزارة التربية والتعليم عندما تبوّأ سدة القرار فيها وزير بحجم الدكتور عمر الرزاز، إدارة وتخطيط من أعرق الجامعات في العالم، وفكر متنور، ونهج وتفكير علمي، ولا نريد له أن يغرق في تفاصيل العمل اليومي في الوزارة، وينسى الملفات الكبرى التي نطمح إلى تحقيقها، بدءاً من تعديل المناهج وتطويرها، وإعادة القيمة الحقيقية لرسالة التعليم، والمحافظة على هيبة المعلم، إلى إعادة النظر بامتحان الثانوية العامة، باتجاه الإلغاء أو البحث عن بدائل علمية أكثر إنتاجية من بعبع يهدد مصير كل شاب أردني.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

وزير الصناعة: بناء أردن قوي يعني بناء اقتصاد متين إطلاق الاستراتيجية الوطنية لقطاع الاستشارات الإدارية الأردني 2025-2028

الاول نيوز – قال وزير الصناعة والتجارة والتموين المهندس يعرب القضاة، إن بناء أردن قوي …