أسامة الرنتيسي
لم تحتج الحكومة إلى وزير المالية لكي يخرج على الإعلام ويشرح مبررات الهجمة الضريبية ورفع الأسعار، بل اكتفت ببيان طويل (1689 كلمة) أرسلته إلى وكالة الأنباء الأردنية في التاسعة و26 دقيقة من مساء الأربعاء، ليبشِّر المواطنين بمكارم مجلس الوزراء، حيث قرر خلال جلسته التي عقدها الأربعاء (انتهت في السابعة مساء)، برئاسة رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي (وحتى يتم رفع ضغطنا أكثر)، الموافقة على عدد من إجراءات الإصلاح الإداري والاجتماعي والاقتصادي (كما جاء في البيان الرسمي).
العباقرة في الحكومة الذين رتّبوا سيناريو توقيت الهجمة على المواطنين، يعتقدون أنهم أذكى من المواطن، ففي الساعة التاسعة ودقيقتين مساء أصدرت وزارة التربية والتعليم خبراً عاجلاً لكل وسائل الإعلام حول إعلان نتائج التوجيهي صباح الخميس، والحركة العبقرية تتوهم أنها خطفت عقول المواطنين إلى نتائج التوجيهي، وكأنها أهم من قرار الهجمة الضريبية ورفع الأسعار.
منذ سنوات، وتحديداً منذ لحظة تَسلُّم رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالله النسور زمام حكومته الأولى، لم نسمع سوى أحاديث محبطة في الاقتصاد والموازنة والعجز، التي قيل عنها أكثر من مرة إنها تشهد أوضاعاً كارثية وصعبة في حال المالية العامة، والتي لم تعالج يوماً إلا بقرارات اقتصادية صعبة أيضاً، ولم تجد حلّاً لها سوى جيب المواطن، ومنذ سنوات تتفاخر الحكومات بأنها أوقفت التعيينات في الوظائف الحكومية جميعها، ما عدا وزارتي الصحة والتربية، وعندما نتحدث عن جيش المتعطلين من العمل بعد قرار وقف التعيين وماذا سنفعل بهم؟ يقولون لك: إن الدول الشقيقة لا تزال ترحّب بالطاقات الأردنية الشابة، أي بصريح العبارة، إن أقرب طريق لمستقبل الشباب طريق المطار.
مصيبة إذا كانت الحكومة ومجساتها وصناع القرار لا يعرفون أن الأوضاع الداخلية مرتبكة وقلقة ومحبطة، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية في صعوبة لم يشهد الأردنيون مثلها في أكثر الليالي حلكة، ويفهم المواطنون أن هناك بخلاً من الأشقاء لم يتعودوا عليه، لهذا تحتاج المرحلة إلى وقفة جادة وحقيقية؛ إذ إنه لم يقف شعب مع حكوماته كما وقف الشعب الأردني الذي طالبته الحكومات المتعاقبة منذ عام 1989 بشد الأحزمة على البطون، وفعل ذلك برضى وقناعة، وما زال الشدّ مستمراً ولا تعرف نهاياته.
لا يجوز أن نبالغ في المناورة على شعبنا، وعلى قدراته في التحمل، لأن كل ذلك لا ينفع إذا فلتت الأمور، فالأمن قال عنه يوماً مدير للأمن: “مكسور الظهر من اللاجئين السوريين”، والمخزون الإستراتيجي من الأدوية في محافظات الشمال في أوضاع صعبة، والمخزون المائي في مراحل خطرة، وهناك احتقان شعبي من ضعف مكافحة الفساد الحقيقي، ومن أخطاء أمنية، وخيبة أمل من الأداء العام في البلاد، التي تسير “على البركة”.
أتمنى ألا تكون أعداد المشاهدين للتلفزيون الأردني ليلة الأربعاء كبيرة، حتى لا يستمعوا لرئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة الذي قال وبالحرف: “إن الحكومة بحاجة دائماً إلى من يساعدها لاتخاذ قرارات جريئة خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمساس المباشر بأوضاع المواطن بشكل مباشر ولكن دون المساس بالطبقة الوسطى والفقيرة تماشياً مع توجيهات الملك للحكومة والنواب بعدم المساس بهاتين الطبقتين، لذا قام المجلس بإيجاد عدد من البدائل عن رفع السلع من خلال اللجنة النيابية وقد يصل الأمر إلى تعديل بعض التشريعات والقوانين لإيجاد هذه البدائل”.
والسؤال هنا لرئيس مجلس النواب المحترم: ألا تعرف يا سعادة الرئيس أنه لا يجوز أن تُفرَض ضريبة أو رسوم إلا بقانون، فماذا ستفعل أنت ومجلس النواب من كل ما يحدث من هجمة ضريبية ورفع أسعار وتعديل رسوم استخراج جواز السفر؟
الآن، سوف يرتفع الحديث عن رحيل الحكومة بعد القرارات القاسية، وهذا لن يكون مفرحاً للمواطن الذي أكل “خازوق” رفع الأسعار والضرائب، المطلوب العودة عن القرارات، والبحث عن وسائل أخرى لدعم الخزينة، ليس من بينها جيب المواطن وقوت عياله.