أسامة الرنتيسي
بسهولة، ومن دون أن يرتجف لك جفن، تستطيع ان تغتال أي إنسان، شخصية معروفة، أو صديقًا دخل قائمة أصدقائك مصادفة، فما عليك إلّا توجيه أية تهمة له، وبعدها ستجد مناصرين يشاركونك نحر الذبيحة.
هناك فوائد كثيرة – لا أحد يستطيع انكارها – لوسائل التواصل الاجتماعي ـ الفيسبوك وتويتر، وغيرهما، لكن من أخطر مساوئها أنها سمحت بتداول مصطلحات غير أخلاقية، لا يستطيع المرء أن يطلقها في العلن، في الصفحات الوهمية التي لا أحد يعرف صاحبها.
مصيبة المصائب في هذه الأيام، أن سهام التجريح تنطلق من قبل أميين، وفي كتاباتهم متهمة كل من يطرح فكرة جريئة، أو رأيًا مخالفًا لرأي العوام، أو يختلف مع جهة، أو حزب أو تجمع ما، تبدأ من طائفي وإقليمي لا يريد الخير للبلاد والعباد، وتنتهي بعلاقات مشبوهة مع جهات مخابراتية، حدّ ان تصل إلى الموساد الإسرائيلي، بعد أن أصبحت العلاقة مع الـ CIA في نظرهم أقل ضررًا.
في عالم التواصل الاجتماعي الآن، صفحات مفتوحة لكل من هب ودب، بعضهم يتجرأ ويضع اسمه وصورته على صفحته الخاصة، وبعضهم يختبئ خلف أسماء وهمية، ويكيل الاتهامات من كل حدب وصوب، أقلها أن الكاتب الفلاني قبض من جهات محلية أو خارجية للترويج لفكرة ما.
حتى في الاختلاف السياسي الذي من المفترض ألّا يُفسد للود قضية، فإن سهام النقد والتجريح والتخوين جاهزة لتوجيهها نحو كل من يختلف معك بالرأي.
أذكر في حرب غزة الأخيرة المدمِّرة، أن كل من كان ينتقد سلوكًا للمقاومة هو في صف الأعداء، حتى وصلت الاتهامات إلى “الصهاينة الجدد” كما يحب جماعات تيار الاسلام السياسي واصدقاؤه إطلاق هذا النعت على كل من لا يوافقهم الرأي.
والآن لا يستطيع المرء ان يعلّق او ينتقد سلوكًا لتنظيم داعش الارهابي حتى يقوم أنصار هذا التنظيم، وأنصار التقسيمات الجديدة بين سنة وشيعة، بالهجوم الوحشي على كل من يدعو إلى محاربة هذا التنظيم والخلاص منه، طبعًا وبجبن شديد من دون أن يكتبوا أسماءهم الحقيقية.
وإذا طرح كاتب قضية جريئة، تهبّ عليه الأصوات النشاز، بأن هذه الكتابة مدفوعة الأجر، وأنها بتوجيهات من أطراف مستفيدة، وأنها ضمن أجندة التقسيم والتفتيت.
للأسف الشديد؛ فقد فتحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحات البطولة الوهمية لكل من تعيش في داخله عناصر النقص والدونية، فتراه يقيم المعارك تحت أسماء وهمية، معتقدًا أنه يحارب في اليرموك او يشارك في “المعركة الكبرى” التي كانت قد أعلنت عنها كتائب القسام في غزة في آخر أيام الحرب الماضية، إن سنوات قليلة تفصل المقاومة الفلسطينية، عن معركة وعد الآخرة التي عاد يُذكِّر بها قبل يومين محمود الزهار من غزة قائلا: “نُحضّر لوعد الآخرة مع إسرائيل”.
أكتب تحديدًا عن غزة ومعاركها، لأن شعبنا هناك ينتظر جولةً جديدةً من الدمار الإسرائيلي البشع، حيث يتوعّد جنرالات إسرائيل الدمويّين بحرب فاصلة في غزة، وقد بدأت صواريخهم تنطلق اتجاه غزة للتحرش بحركة حماس التي تلتزم الصمت حتى الآن، ولا نعرف ما تخبّئ الايام المقبلة بعد أن انتخب يحيى السنوار قائدًا لحماس في غزة.