من الزمن الرديء الى التفتت؟

طارق ترشيشي
السيء في كثير من رجال السياسة في لبنان وعالمنا العربي عموماً ان يكونوا طائفيين، والأسوأ ان يكونوا مذهبيين، والاكثر سؤاً اولئك الفئويين والجهويين والمناطقيين، وحتى الضيعويين.. فيختصرون الاوطان بشخوصهم او طوائفهم ومذاهبهم واحزابهم وجهاتهم ومناطقهم…
فهؤلاء السياسيين لا يمارسون السياسة ولا يتعاطون الشأن العام الا لخدمة مصالحهم الضيقة السياسية والشخصية والمالية وكل ما يفيد العائلة او المحاسيب والازلام، اما خدمة الصالح العام للأُمة او للشعوب فليست الا شعارا أجوفاً، يتم توسله او استثماره لخدمة المصالح الضيقة التي تبقى لديهم دائماً وأبداً الهدف الآني والمرحلي والاستراتيجي..
والانكى والادهى ان هؤلاء الساسة كلما ضاقت “حظائرهم” يلجأون الى الطائفة والمذهب تحت شعار “يا غيرة الدين”، مع ان اياً منهم لا يدخل مسجداً او كنيسة، ولا يعرفن من الدين الا إسمه، وإن دخل يوماً مركزا دينياً فإنما يدخل “لغاية في نفس يعقوب”، وهي لفك “أزمة”عنه عبر التحريض وشد العصب الطائفي او المذهبي، وتأليب الجماعة بعضها على بعض ليسود مع أقرانه المأزومين في الأقوام ويقع البلاء على الشعوب.مع العلم ان النبي العربي محمد (ص) ينبه من هذه الحال بحديث شريف يقول فيه: “إذا ساد القوم فاسقهم وأُكرِمَ الرجل الفاسق فبشّر بالبلاء”.
حال هؤلاء الساسة الكثيرون في لبنان والعالم العربي تكشف مدى الفشل الذي تعانيه طبقات السياسيين في هذا الدولة او تلك في ان يكونوا فعلاً ممثلين فعليين لشعويهم ومجتمعاتهم، وهذا الفشل هو من اورث شعب لبنان وكثيرا من شعوب المنطقة هياكل دول تحكمها الطائفية والمذهبية لا دول تحكمها المؤسسات. فسعي السياسيين وراء مصالحهم الخاصة والضيقة جعلت المجتمعات والشعوب العربية ممزقة تتآكلها النزاعات الدينية والتعصب والتخلف بمعزل عن الرابط القومي العروبي  الذي يكاد يصبح اسماً على مسمى، إذ صار اعداء العرب أشقاء لدى بعض العرب، وصار العرب الأشقاء اعداء، وما تشهده الأمة العربية الآن دليل ساطع على الانقسام الذي تعيشه.
كانت قضية فلسطين تجمع العرب حزمة واحدة، وصارت الآن وللأسف “وجهة نظر” لدى البعض، فلسطين المغتصبة هذه التي ينبغي ان تعود كاملة موحدة شعباً وتراباً الى حضن الامة، يريدونها فلسطينيات، او “إسراطين” او دويلة صغيرة او دويلتين ( الضفة الغربية وقطاع غزة) لا تجمع بينهما لا سماء ولا أرض، فيما فلسطين بأرضها ومقدساتها جعلها إسراء النبي ومعراجه “عاصمة السماء وعاصمة الارض”، ومن نسي “الإسراء والمعراج” فليتذكره.
ولبنان صنو فلسطين في المقاومة والمعاناة والذي عانى الحروب والويلات ولا يزال، أريد له يوما ان يكون لبنانات، وحلم التقسيم لدى البعض فيه انتعش مجدداً في ضوء مشاريع التقسيم التي تحاك لدول المنطقة عبر “الربيع المشؤوم”.
ويراد لسوريا الغارقة في الدم والدمار ان تكون سوريات، ويراد للعراق ان يكون عراقات وعرقيات واثنيات، ويراد للاردن ان يكون وطنا بديلاً لشعب فلسطين المحتلة ارضه حتى تصبح فلسطين دولة يهودية خالصة ويتحقق بها الانفصال الفعلي بين مشرق العرب ومغربهم، ويراد لليمن يراد له ان يعود يمنين وربما اكثر، ويراد للمملكة العربية السعودية ان تكون مجموعة ممالك، ويراد للمغرب العربي الكبير ان يصير صغيراً، ويراد للدول العربية الصغيرة ان تذوب في الكبيرة.
ولكن يا ليت الدول العربية تذوب ببعضها ببعض في اطار “الوحدة العربية” ذلك الحلم الذي يراود كل عربي منذ فطرته، بحيث تتحقق “كذبة” الفنان السوري دريد لحام على والده “الشهيد من اجل الوحدة العربية” في مسرحيته “كأسك يا وطن” في السبعينات من القرن الماضي، عندما “خاطبه من الجنة” (حسب سيناريو المسرحية) سائلاً اياه: “هل تحققت الوحدة العربية؟”. فأجابه وهو مخمور يائس من واقع الحال العربية، قائلا له: “فَطَرت بالشام وتغديت بالخرطوم ومعزوم عالعشا بأبو ظبي”، وذلك قبل ان ينطق له بعقله الباطن كيف ان الامة العربية تتمزق بحيث انها تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج وتستهلك منتجات الغرب،ليخلص الى مصارحته بالحقيقة المرة السائدة: “العرب صاروا عربين ولبنان صار لبنانين واليمن صار يمنيين والخير لقدام…”، ليصاب “الوالد الشهيد في الجنة” بخيبة وفجيعة على امة لم تتوحد بعد…
مشكلة الامة ان كل نظام من انظمة دولها يعمل لمصلحته الخاصة، ويستقوي هذا النظام بالخارج او بالمحاور الاقليمية والدولية لمحاربة النظام الآخر،وضمن الدولة كل طائفة تعمل لمصلحتها وتستقوي على الطوائف الاخرى بالخارج،وكل مذهب يعمل لمصلحته ويستقوي على الآخر، وكل حزب يعمل لمحازبيه، وهلم جراً..
وليس من نظام او دولة او طائفة او مذهب او حزب يعمل لمصلحة الجميع ضمن الدولة او لمصلحة العرب جميعاً.. أفما آن لهذا الزمن العربي الرديء والمشؤومان ينتهي. فيعود العرب عرباً إقحاحاً، وحزمة واحدة كالبنيان المرصوص، ويخلعون رداء الطائفية والتمذهب والتعصب الذي يعمي البصر والبصيرة عن تكالب الامم عليهم؟ ام يراد للعرب ان يخرجوا من زمنهم الرديء الى زمن التفتت والتقسيم حتى لا تقوم لهم قائمة بعد اليوم؟

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

مأساة التوجيهي متى تنتهي؟!

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – حزنت كثيرا لأجل الصديق وزير التربية والتعليم الدكتور …