منغصات العيش عندهم وعندنا

جهاد الخازن – ما هي منغصات الحياة؟ استطلاع للرأي العام في بريطانيا سجل 50 سبباً وجدت أن بعضها من نوع ما عندنا مثل الحاجة إلى المال، وأرجّح أنه عندنا أول المنغصات إلا أنه عندهم يحتل الرقم 11.

أول أسباب الضيق أو الملل عندهم هو زحمة السير، وهي من الأسباب في كل بلد عربي، واسألوا سكان القاهرة عما يعانون في شوارع مدينتهم.

ثاني الأسباب هو الوقوف في صف، أو طابور، وهذا مشترك. وهم زادوا الوقوف في مكتب البريد، ويعادله عندنا الوقوف في دائرة رسمية لإنجاز معاملة.

هم شكوا من الانتظار على الهاتف قبل أن تصل الى الشخص المطلوب، وأيضاً من البريد الدعائي غير المهم (جَنْك ميل بلغتهم) ودعايات التلفزيون. كلنا يشكو من مثل هذا والفرق أن الشكوى في بلادنا مبررة جداً.

أغرب مما سبق أنهم يشكون من سماع السياسيين. أرى أن هؤلاء في كل بلد طلقوا الحقيقة، أو ربما هم لم يتزوجوها أصلاً، وعندنا أسباب أكثر للشكوى من سياسيين يعدون مواطنيهم بسمك في البحر.

أشعر أحياناً بأنني أستحق أن أكون «عاطلاً بالوراثة»، وكنت أعتقد أن هذا شعوري وحدي، إلا أنني وجدت أنهم في بريطانيا يكرهون العمل مثلي أو أكثر، ويعترضون على العمل ساعات إضافية من دون أجر إضافي. في بلادنا المشكلة الأجر الأصلي، لأن الإضافي من نوع سابع المستحيلات، وهل يتلقاه العامل في آخر اليوم أو الأسبوع أو الشهر، أو يُقال له «بعدين».

بين المستحيلات المشتركة أن يجد السائق مكاناً يوقف فيه سيارته في وسط المدينة، أو يتغير ضوء المرور الى أخضر، ويبقى في مكانه «نانو ثانية» (أقل جزء من الوقت) لأن أبواق السيارات خلفه ستنطلق كأن ركابها في طريقهم الى حفلة زفاف.

أبواق السيارات عندهم أهون من الشتائم عندنا، وعادة ما يكون قليل الأدب كبير الحجم، ومواجهته في الشارع ستعني أن يُضرَب الشاكي مع دفعة جديدة من الشتائم.

هم مثلنا ينتظرون موسم التنزيلات لشراء حاجاتهم الخاصة، ويعتبرون الجهد لتخسيس الوزن (رجيم) مؤامرة، لأن الذي يمارسه يجوع ويزيد وزنه. الحكومة البريطانية قالت في تقرير طويل قبل أشهر إن نوادي الرياضة نصب واحتيال لأنها لا تنفع في خفض الوزن، وأكد التقرير أن الذي يريد أن يخفف وزنه يجب أن يخفف مما يأكل.

هناك منغصات عندنا لا يعرفونها في بريطانيا، مثل الشرطة على باب البيت، إلا أنني لن أدخل في تفاصيل التعامل مع أجهزة الأمن حتى لا أرى الشباب غداً على باب بيتي وأنا أواجه تهمة عقوبتها الشنق.

طبعاً هناك الطرق وما يميزها في بلدان عربية كثيرة هي المطبات، فيصل الراكب الى حيث يريد وقد اختلط عقله، ولم يعد يعرف أين هو. ولا أنسى أن عندنا أطعمة فاسدة تُباع في السوبرماركت وبعضها احترف تغيير مدة انتهاء صلاحية المأكولات.

أهم من كل ما سبق أن في بعض بلادنا إرهاباً مجرماً فالتاً من كل عقال، وفي بلدان أخرى أنصاراً للإرهاب يطلبون من الناس التبرع للإرهابيين. وربما عندنا بلد أو اثنان يمارس النظام فيهما الإرهاب ضد المواطنين، كما فعل معمر القذافي يوماً.

ماذا بقي؟ عندهم ضمانات صحية واجتماعية، وإذا سافر مواطن فهدفه السياحة. المسافرون من بلادنا في غربة قسرية، وبعض يجد نفسه في بلد، وأولاده وبناته في جامعات بلد آخر، والأهل لا يزالون في الوطن.

آخ يا وطن. العربي في بعض بلادنا (بعضها لا كلها) يفكر في مستقبل أولاده في بلدان لا مستقبل لها، ولكن ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

مهرجان جرش يحيي روح درويش بندوة ثقافية لامست اوجاع غزة

النجار: عندما رحل درويش لم ترحل القصيدة بولص: تربطني بدرويش صداقه ومواقف ما بين عمان …