لِنتخلّص من "النّفخ والعَرْط"… يا باشا ويا بيك

أسامة الرنتيسي
 
يَقتُلنا أكثر ما يَقتُلنا في الأردن، المبالغات، والتفخيم، وتورّم الأوداج أو الشرايين، واعرف مع مين ابتحكي، والعرط على الفاضي والمليان.
تذبحُنا المناصب، واحتلال المكاتب الخاصة، والوظيفة الرسمية، والمستشارية، والخبراء.
غرقنا سنوات في معالي الشعب الأردني، وأصبح لقب معالي حُلم كُلّ أردني وأردنية.
لم يعد لقب سعادة فلان، ولا عطوفة علّان يكفي، فصاحب العطوفة يحلم بالسعادة، والسعادة يحلم بالمعالي، والمعالي يحلم بدولة فُلان.
لهذا دُخنا بين النائب الذي يحلم بأن يصل إلى كرسي الوزارة، وآخَرُ يطمح إلى أن يصل الدوار الرابع بلقب دولة.
واختلفنا في اللّغة على النائب والنائبة، فسعادة النائبة، يروق لبعضهم أن يفسّرها بأنها “تدليع للمصيبة”، وحار اللّغويون في تغليب المذكر على المؤنث في قضية النائبة، فكيف إذا كانت “سعادة النائبة الباشا..”.
استنسخ المجتمع المدني ألقاب الرتب العسكرية، فَكَثُر لقب باشا، ووصلت كتلة الباشاوات إلى نحو ربع مجلس النواب السابق، وتراجعت قليلًا في المجلس الحالي، لكنها توسعت في اجتماعات المتقاعدين العسكريين، وفي عضوية مجلس الأعيان.
كلّنا في الأردن بيك، وجَمْعُها إن صح بيكاوات، تسمعها في كل مكان، أثناء المحادثات التلفونية، والمحاضرات وورشات العمل، والمؤتمرات الصحافية، ولغة الخطاب بين الجميع.
لم تعد الألقاب العلمية ذات جدوى وتأثير نفساني في المستمعين، فالاستاذ والدكتور والمهندس، وغيرها من الألقاب العلمية، غير مرغوبة لدى أصحابها، ويعتبرونها تصغيرًا إذا لم يرافقها «معالي الدكتور» و «سعادة المهندس» و «دولة الباشا».
لهذه الألقاب احترامها لدى المجتمع الأردني أكثر من اللّازم، وهي في الاحوال كلها ألقاب تدل على تقدير واحترام. على صاحبها أن يرفقها بالانتاج والعطاء والاخلاص والتواضع.
بينما تصبح حملًا ثقيلا على البلاد والعباد، إن جاءت للتفاخر والتعالي، والوصول إلى مواقع لا تتناسب مع مؤهلات صاحبها.
بعضهم يُطنّش إذا ناداه محدثه يا دكتور، وهو في الواقع خريج بكالوريوس بتقدير مقبول، وينتفض إذا قال له يا بيك، وهو في الواقع باشا، فكيف الحال إذا اخطأ متحدث  بين معالي ودولة.!
في الصحافة والإعلام، توافق معظمها على عدم استخدام الألقاب، والالتزام بالعلمية منها فقط، لكن بعض البيكاوات والباشاوات والسعادات والسماحات والمعالي والدولة… لا تنفرج اساريرهم عندما يغيب اللقب عن مقدمة أسمائهم، ولا يفرحون بالالقاب العلمية، لأنها تكاثرت، وببلاش على رأي بعضهم.
معالي الشعب الأردني، بيكاوات الشعب الاردني، باشاوات الشعب الأردني، سعادات الشعب الأردني.. تواضعوا قليلًا، فلا يمكث في الارض سوى العمل المُنتِج الذي يُزرع في الوجدان الشعبي، ويُكرِّس صاحبَه صاحبَ مبادرة وإنجاز حقيقيين، أمّا  “النفخ والعرط”  فانه يختفي كله منذ أول ثانية بالابتعاد عن المنصب، ومع أول حفنة تراب تنهال على جثمان المرحوم، وكأنه لم يكن.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

مطلوب في يوم المرأة أكثر من بيانات باهتة!

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – فعليا؛ لم تعد الاحتفالات والأَعْيادُ الأممية ـ يوم …