رنا نجار – هبّت وسائل الإعلام اللبنانية ومعها حسابات غالبية اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتفضت، رافضة الإيحاءات الجنسية في فيديو كليب جديد لميريام كلينك، وخصوصاً أن طفلة صغيرة زُجّت أو أقحمت في هذا الجوّ المبتذل والمنحلّ من أي قيم فنية أو أخلاقية، لا يُسمح لأي طفل أن يشاهدها حتى، فكيف إذا كان جزءاً منها؟
على الفور تحرك القضاء المختص بحماية الأحداث أول من أمس، واتخذ قراراً بمنع بث الفيديو كليب وسحبه من التداول على جميع وسائل الإعلام المرئية ووسائل التواصل الاجتماعي، تحت طائلة غرامة قدرها 50 مليون ليرة في حال المخالفة». فيما طلب النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، من النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان فتح محضر تحقيق لدى مكتب حماية الآداب في بث الفيديو كليب لتضمنه «أموراً بذيئة»، واستدعاء كلينك وخليفة إلى التحقيق. هي خطوة واجبة لتطبيق القانون رقم 422 الصادر في حزيران (يونيو) 2002، لحماية الأحداث من الاستغلال، إذ إن المادة 25 منه تنص على أن «الحدث يُعتبر مهدداً إذا وجد في بيئة تعرضه للاستغلال». كان يمكن لهذا الخبر أن يمرّ مرور الكرام، كمئات الأخبار القضائية التي تنشر وتبثّ يومياً في وسائل الإعلام، ولا تُعطى أهمية كبرى، في بلد غير غارق بنفاياته الذكورية. لكن الأمر تخطى كل الأعراف والتقاليد والقيم المهنية، إعلامياً وافتراضياً، كما تخطّته ميريام كلينك التي تريد أن تكون النجمة الأولى، عبر الخطاب الذكوري نفسه الذي يرفض وجودها ويتمنّاه في الوقت نفسه. احتلّت كلينك مقدمات نشرات الأخبار، وتصدّر خبر «أغنيتها» مع جاد خليفة المواقع الإلكترونية، وشغل الصالونات وبرامج «التوك شو»، لكن هذه المرّة ليس احتفاء بإقحام اسمها في صندوق انتخاب مجلس النواب، ولا لأنها شقراء تثير لعاب الرايتينع والترافيك حين ترقص على الهواء مباشرة شبه عارية، بل لأنها صوّرت كليباً «بذيئاً» وزجّت طفلة بريئة فيه! هل اكتشفت هذه الوسائل الإعلامية اليوم أن كلينك تستغل جسدها وأنها مبتذلة ولا تتمتع بأي قيمة فنية؟ هذه المؤسسات نفسها التي تستغل أو تستخدم كلينك المثيرة لتجذب أكبر نسبة مشاهدين، وتجعل منها النجمة الأولى، انقضّت على «الوسيط» (ميريام بجسدها ولباسها) وتبرّأت منه، بلغة حادة وهجومية كأن المرأة كانت سبب انتشار النفايات في الشوارع، أو مسؤولة عن تزويج القاصرات «قانونياً في المحاكم الدينية»، أو أجبرت بقوّة السلاح رجال البلد وساسته على مشاهدة صورها العارية وصوتها القبيح ورقصها المثير؟
هذه الوسائل هي نفسها من صنّعت ميريام كلينك وزميلاتها (اللواتي لا صفة رسمية لهنّ) من دون أن تتمتّع بأدنى موهبة أو مهارة أو أي شيء يُبرّر وجودها على شاشاتنا اللبنانية التي باتت في الفترة الأخيرة تفتح الهواء، لا بل تتنافس على استضافة مجرمين ومشغّلي شبكات دعارة وفاسدين ومهربي مخدرات وقتلة وغيرهم ممن يستحقون السجن، ليدافعوا عن أنفسهم بكل برودة أعصاب وضمير مرتاح. لماذا لم ينتفض وزير الإعلام ملحم رياشي ليمنع استضافة المجرمين وملفاتهم لدى القضاء وفي حقّهم دعاوى قضائية؟ ليس دفاعاً عن كلينك و «إنتاجها» الفني المنحطّ والمبتذل لكونه لا يتمتع بأي عنصر فني حتى الإثارة فيه خسّة ومقرفة، ومكانه سلّة مهملات قبل أي نقاش.
إذا سلّمنا جدلاً أن مواقع إلكترونية ووسائل إعلام تبحث عن النجومية والرايتينغ، كما تبحث كلينك نفسها من دون أي قيمة أو مستوى، لماذا غضب المجتمع اللبناني وانتفض واستفاق ضميره المستلقي في غيبوبة، منذ اغتيل بلده واحتلّه الفساد والقبح والاستغلال السياسي والاقتصادي، وأصبح الفرد فيه مجرد رقم يباع ويشترى؟ كل هذه الحجارة التي رميت على كلينك، من مختلف الطوائف والتيارات والأحزاب، لماذا لم تُرمَ على قضايا أسمى وأنبل من مجرد فيديو كليب ينتهي عمره بعد 3 دقائق؟ لأنه في غالبيته مجتمع ذكوري بامتياز، يلهث وراء الإيحاءات الجنسية خارج بيته ومحيطه، «كشّ برا وبعيد»، ولا يزال يعتبر المرأة عورة مهما علا شأنها ومهما تحرّرت وناضلت… لأنه مجتمع يلهث وراء المال والزعيم والطائفة، تاركاً النار تحرق الأخضر واليابس، هذا إذا بقي في بلده مساحة خضراء!
هذا الفيديو لا يختلف عن غيره من الإنتاجات «الفنية» الموجودة على شاشاتنا وفي دور السينما وفي المسارح والكاباريهات، إلا باستغلال تلك الطفلة فيه. إنه صورة عن البلد وانحلال القيم الأخلاقية والسياسية والمجتمعية والثقافية والمهنية، البلد الذي ترشّحت فيه كلينك لمقعد نيابيّ عبر برنامج تلفزيوني بعنوان «الزعيم». ماذا لو ترشّحت كلينك مجدّداً ونحن على أبواب الانتخابات؟ قد تكون كلينك أصدق بكثير من سياسيين يخطبون بالعفة والإصلاح والمواطنية وهم يسرقون جيوبنا، فهي صريحة وواضحة وتعرف ماذا تريد خلف الشاشة وأمامها، لا فرق… على كل حال كلينك هي الرابحة الأولى في كل هذه الجولة الإعلامية، لكونها أحدثت «ثورة» فعلاً، وشغلت الناس والقضاء ورجال السياسة والإعلام الجدّي والملتزم والأصفر، وعرفت كيف تستخدم الخطاب الذكوري الجنسي الأنجع على ما يبدو، لتفوز بهدفها في جولة تسويق بارعة، ومن دون أن تدفع ملايين الدولارات. فهل تستعين بميريام كلينك لتتحرك الدولة اللبنانية تجاه تعنيف الأطفال والنساء وإقحامهم في القتال وحمل السلاح؟ أو لتترك للأطفال مساحات خضراء في لبنان ليلعبوا وليمارسوا حريتهم؟ أو لتمنع بيع الشواطئ حيث يسبح هؤلاء مجاناً في أرض ملك الدولة؟ أو لترفع سنّ الحضانة للأم؟ أو لتمنع تزويج القاصرات؟ أو لتوقف الفاسدين وتجد حلّاً للنفايات والتأمين الصحي… إذا كانت ميريام كلينك فقاعة فنحن الصابون!