عزاءُ مُحمدٍ يَنسِفُ أفكار الدّواعش وثنائية الفيصلي والوحدات

أسامة الرنتيسي –
 
على مدار ثلاثة أيام راقبتُ عن كثب جنازة وعزاء المرحوم محمد خليل اليطاوي إبن يطّا الخليل والفحيص، وجار ماحص.
فقد حققت بكل صراحة رسالة عميقة فنّدت خُزعبلات وأكاذيب داعش، ونسفت أفكارهم، إضافة إلى أنها تمرين بالذخيرة الحية على سُموّ قِيَم التّسامح والمحبّة والعيْش المشترك، أهم من أية خطة واستراتيجيات نظرية لمحاربة الفكر الداعشي. كما انها رسالة الى مرضى ثنائية الفيصلي والوحدات أن ابرتهم لا تُخيَط في الجسد الواحد.
محمد خليل أبو صلاح، قصة وطنية حزبية في الفحيص تؤرّخ وتروى، أنه أحد الذين قبضوا على جمر العمل الحزبي منذ الصغر، ومذ كان طالبا في مدارس الفحيص، نضج كثيرًا في الجامعة الأردنية عندما كان اليسار مسيطرًا على الحركة الطلّابية، وكان أحد أبناء الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، عندما كانت “مجد” شعلة نشاط في الأردنية.
في جنازة مَهيبةٍ كان عدد المشاركين من مدينة الفحيص بشخصياتها الاعتبارية والتمثيلية وخيرة شبابها أضعاف المشاركين من أقاربه وأهله ورفاقه في الحزب، حاولوا أن يكون العزاء في بيت الفحيص، إلّا أنهم استجابوا إلى رغبة أهل محمد وإخوانه، كما كان عدد الحاضرين من مدينة ماحص لافتًا للنظر ونوعيًا، وقفوا مسلمين ومسيحيين شخصيات محترمة لتقبُّل العزاء في المرحوم محمد إلى جانب أهله وإخوانه.
علامات الحزن بموت محمد كانت ظاهرة في عيون أهالي الفحيص رجالا ونساء، لم يلتفت منهم أحد  إلى خطابات التطرف من أمثال العريفي وقورشة، ولم يتوقفوا عند خطابات طائفية عفنة، بل ذرفوا دموعهم على محمد الذي كان أحد عناوين المحبة والسلام والوئام طيلة حياته في العمل العام والوطني والحزبي.
حزنت ماحص بعبابيدها وأسَرِها عامة على غياب إبن يطّا الخليل الذي دافع عن لقمة الخبز في سنوات الأحكام العرفية، كما دافع عن الأردن الوطني الديمقراطي.
ازدحم الفيسبوك ثلاثة أيام ببوستات دافئة وصادقة من شباب الفحيص وماحص حزنًا على محمد، لم يلتفت أحد إلى أن محمدًا أردني من أصل فلسطيني، لم يتوقفوا إن كان مسلمًا أم مسيحيًا، سُنّيًا أم لاتينيًا، انحازوا له لأنه إنسان حمل الفكر الوطني الديمقراطي ومارسه في الحياة كما يُحب ويَعشق كل عشّاق الحياة والأمل والفرح.
حضر كهنة الفحيص ومشايخ ماحص جلسوا معًا في بيت العزاء، كان شباب الفحيص يتقبلون التعازي إلى جانب إخوة محمد وأهله، ويُتمْتِمون بعبارات التعزية (عظّم الله أجركم…شكر الله سعيكم). 
في عزاء محمد اليطاوي تذكرت ما تفوّه به يومًا الداعية العريفي الذي ترك الخراب والدمار والقتل والجهل والعتمة كلها في بلادنا، وقدم فتوى تُحرّم تقديم التهاني للمسيحيين بأعيادهم المجيدة، وكان قبله قد فعل  قورشة قبل أن يُعاد تأهيله في السجن، وبعد هذا يقولون لك من أين تَغرُف عصابة داعش مُناصريها.
في لحظة تمهيد التُراب على جسد المرحوم محمد، أغمضت عينيّ لحظة وتخيّلت  أن أبا صلاح سيفتح عينيه ويرفع رأسه ليرى أن رفاقه وأصدقاءه من شباب الفحيص وماحص يلتفون حول القبر، وأن ما زرعه طيلة السنوات الماضية من حب وفرح وتسامح وعشق للأرض وتسامٍ عن الأفكار البالية قد أثمر نورًا في مواجهة العتمة التي تُغرق نهاراتنا، والذين يعرفون سيرة حياة محمد متأكدون أنه قد يفعلها..
أبا صلاح لروحك الرحمة وذِكْرُك مؤبّد.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الأردنيون خلف نشميات السلة في مواجهة ايران اليوم

الاول ميوز – يترقب الأردنيون المواجهة الهامة التي تجمع المنتخب الوطني لكرة السلة للسيدات مع …