الأول – حكم الامر الواقع، تلقي ملفات ضاغطة بثقلها على اجندة القمة العربية المقبلة في عمان، لكن الرهان يبقى دائما ما اذا كان المنبر العربي الارفع سيؤسس لمقاربات تنتج حلولا او تسهم في بلورتها لازمات شائكة يعد بعضها عابرا للمراحل.
وقال النائب الاول لرئيس مجلس الاعيان الدكتور معروف البخيت، “ان المكانة العربية الرفيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني ستضفي جوا من التقارب والتصالحية لمجريات القمة لاحداث اختراق لصالح الملفات العالقة، والخروج بتفاهمات تحقق الهدف من انعقاد القمة”. لكن البخيت يلفت الى ضرورة عدم رفع سقف التوقعات “فدورنا هو تامين البيئة المناسبة لانعقاد القمة”.
ويرى الدكتور البخيت في مقابلة مع وكالة الانباء الاردنية، ان هناك تحركات نشطة لتقريب وجهات النظر بين القوى العربية الفاعلة، وان جلالة الملك عبدالله الثاني على تواصل مع القيادات العربية المؤثرة، حيال القضايا الرئيسية على الساحة العربية بهدف الوصول الى توافقات ونقاط التقاء.
وعلى الرغم من اهمية القضايا العربية المطروحة على جدول القمة، الا ان رئيس الوزراء الاسبق، يؤكد وهو القارئ الحثيث للجغرافية السياسية للمشرق العربي، ان ملف القدس والقضية الفلسطينية يجب ان يشغلا اهتمام القادة العرب.
يقف الدكتور البخيت مطولا عند ملف القدس، مؤكدا ان الاردن تحمل مسؤولياته الادبية والاخلاقية تجاه المدينة المقدسة، ولن يقف متفرجا امام الممارسات الاسرائيلية وقال ” لا بد من الخروج بموقف ولغة موحدة عربيا في ظل الحديث الدائر عن دراسات تجرى لنقل السفارة الاميركية الى القدس”.
يتساءل العين البخيت: كيف يتفق ان يتساوى من يملك الترسانة النووية والتكنولوجيا والسلاح والدعم مع صاحب الحق والحلقة الاضعف؟! لذا يؤمن البخيت بضرورة فرض التسوية، قائلا “على المجتمع الدولي فرض إرادته، فأسس الحل واضحة ومعروفة بالنسبة للدولة الفلسطينية ” : الانسحاب لحدود الرابع من حزيران مع تعديلات طفيفة على حدود الطرفين . وقد يقبل الفلسطينيون بدولة منزوعة السلاح، مستدركا القول: انهم قبلوا بذلك. ليتابع في السياق ذاته بعد ذلك يتم الاتفاق على بعض المعابر والابقاء عليها للقوات الاسرائيلية لفترة زمنية محددة، ثم تسلم لقوات دولية لفترة ليصار الى تسليمها للسلطة الفلسطينية، لافتا الى ان الاردن لا يوجد لديه مشكلة بترسيم حدوده، وبايجاد حل عادل لموضوع اللاجئين وقضية القدس بسبب الرعاية الاردنية للاماكن المقدسة.
ومع الحديث الدائر عن نقل السفارة الاميركية الى القدس يقول البخيت” لم لا؟ لكن بالمقابل يجب الاعتراف بان القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، وهنا يتم نقل السفارة للقدس بوجود دولتين.
ويلفت البخيت النظر الى التداعيات السلبية عند التأخر في ردود الافعال حيال هذه الاجراءات، فيقترح ان ترسل القمة وفد جماعيا لمقابلة الأميركيين لاظهار تبعات الموضوع وتعارضه مع مبدا حل الدولتين، وان شعار القدس موحدة عاصمة لاسرائيل يلغي حق الفلسطينيين باقامة دولتهم.
وبعين الخبير الاسترتيجي يعرب البخيت عن خشيته من توسيع الاميركيين للاطراف الفاعلة للقضية الفلسطينية، ما يعني مشاركة جهات ليس لديها مصالح، الامر الذي يشتت الجهود فيضيع الملف بين تعدد الاطراف لنصل بالنهاية الى ما يعرف بالاجماع الوهمي.
وفي توصيفه لواقع الحال، يقول الدكتور البخيت، ان “العالم العربي يواحه مشكلات غير مسبوقة منذ بداية القرن الماضي، وقد فشلنا كعرب ليس فقط في بناء الدولة القومية التي كانت حلما لكن بتحقيق الوحدة العربية. ان الثورة العربية قامت تحمل رسالة: وحدة، حرية، مساواة. وفي الواقع لجأنا الى القطريات التي لم تنجح، وقد أعادنا هذا إلى بدايات القرن الماضي”.
ودعا البخيت الى احياء فكرة العروبة “لنتجاوز الحديث الدائر اليوم – بتقسيم الامة على اسس طائفية والحديث عن تطرف وإسلام معتدل وغير معتدل”.
ويتابع قائلا: يوجد على المستوى الاقليمي مشروع تركي ،ومشروع ايراني ،ومشروع اسرائيلي، فاين هو المشروع العربي؟ ولان العروبة فكرة متصالحة مع الاسلام يضيف البخيت، ان هذا المشروع يساعد البلدان العربية في تجاوز مشكلاتها وازماتها التي تقسم نسيجها الاجتماعي.
رمزية الجامعة العربية اما الجامعة العربية فتحدث عنها العين البخيت باسهاب قائلا : رمزية الجامعة العربية من رمزية الوحدة العربية والثورة العربية، وهي المؤسسة الوحيدة التي تجمعنا اليوم في ظل التشتت الحاصل، لكن لا بد من اعادة بنائها من جديد ودعهما وتقويتها، لتكون المؤسسة العربية التي نلجأ اليها في حل خلافاتنا الداخلية. واضاف ان الخطأ الكبير في النظام الامني العربي هو اللجوء الى الامم المتحدة. وزاد موضحا، ان “ادوات التحكيم وفض النزاعات بالجامعة العربية بحاجة الى تطوير. فاذا اصلحنا الجامعة واصبحت هي مسؤولة عن فض النزاعات قد يقودنا الى المشروع العروبي الذي نتحدث عنه. هنا قد يصبح لدينا مشروعنا الذي سيواحه المشاريع الاقليمية الاخرى.
واوضح ان البيئة الدولية المحيطة لها مواقف حادة من الجامعة العربية، فهذا الامر لا يشكل اي اهمية فلديها مصالحها التي تطغى على كل شيء.
يستحضر البخيت التاريخ في هذا الشأن قائلا : ان الاردن ولغايات تقوية الجامعة تقدم في عام 1944 باقتراح ينص على إلزامية قرارات الجامعة لتكون فوق ارادة الأعضاء، لكن للاسف تم اجهاضه في ذلك الوقت.
ولا يغفل البخيت موضوع الارهاب وآليات محاربته، لكنه يدعو في الوقت ذاته الى بذل جهود حقيقية في تجفيف منابعة وموارده، فالعمل يجب ان يكون حقيقيا ومتواصلا لاجتثاث الارهاب. ويؤكد ان القضاء على الارهاب ليس كافيا. وقال ان” الفكرة لا تستطيع القضاء عليها الا بفكرة مقابلة، ولا بد من تبني نهج الاعتدال وحسم مسالة الدولة والدين.
وحيال الوضع في سوريا، يراهن البخيت على القيادات العربية بصياغة مباردة عربية بشان سوريا وأن كان هناك تباين في المواقف والاراء، متسائلا: لماذا نترك المجال للاخرين لصياغة المبادرات؟ لماذا لا يتم جمع النظام مع المعارضة في احدى الدول العربية والسير بخطوات الحل في سوريا والتي اصبحت واضحة؟ ووفقا للدكتور البخيت، فان الحل يتطلب تشكيل حكومة انتقالية وصياغة دستور جديد الى جانب انتخابات جديدة، ومن ثم نقل النظام من رئاسي الى برلماني ومن يفوز بغالبية مجلس النواب يشكل الحكومة. هذه الاجراءات سترسل رسائل ايجابية الى جميع الاطراف السورية بان لكل منها دورا في السلطة.
يختم البخيت حديثه قائلا: انا متفائل بالاجواء الايجابية للقمة، لكن المتابعات قد تكون صعبة ولا بد من الحديث بلغة موحدة. واكد البخيت اهمية ان تشكل القمة لجنة تضم بعضا من الزعماء، او تكليف رئيس القمة للحديث باسم العرب، لافتا الى ان هذه الخطوة سيكون لها تاثير كبير. ذلك ان رئيس القمة سيتحدث باسم شعوب باكملها. واضاف :”سياسيا فشلنا في فض النزاعات بين الدول العربية سلميا. اقتصاديا التعاون العربي لا يحقق الحد الادنى . فاذا نجحنا في جمع شتات الامة العربية حول بعض القضايا وارجعنا سوريا التي يجب ان تستعيدها الجامعة العربية، تكون القمة قد خطت خطوات كبيرة الى الامام. وفي مطلق الاحوال يجب الا نرفع سقف التوقعات.