الرّجُل الثاني صِفر على الشّمال

أسامة الرنتيسي-
 
تفتقد الدول العربية غير المؤسساتية، الجمهوريات  منها تحديدًا، إلى الرّجُل الثاني الذي يدير شؤون الدولة في حالة غياب الأول فجأة.
والأنكى؛ أن  يكون الدستور المطية الأولى  إذا ما وقع فراغ سلطوي ما، حيث هناك مِن الجهابذة القانونيين مَن يستطيع أن يُخرج مِن تحت إبطه فتوى سريعة لمعالجة أي فراغ دستوري.
ومِن غرائب الأمور، أنّ الرجل الثاني واضح المعالم والمهمات ليس غائبًا فقط مِن بروتوكولية الدول وسيادتها، بل أيضًا مِن أيديولوجيات الأحزاب والشركات التي تُدار بعقلية تاجر البِقالَة.
ظاهرة الرجل الثاني ليست غائبة فقط عن الدول التي لا تزال تحت الاحتلال، والسلطة فيها وهمية، ويمكن محاصرتها في مقاطعة، بل تتعداها إلى الدول المستقلة والمستقرة أيضا.
فقد كان البحث عن الرجل الثاني في مصر، خلال مرض الرئيس السابق حسني مبارك وعلاجه في ألمانيا، شغل العالم، وكان السؤال الأكثر إثارة هو: مَن الذي يدير الحكم في مصر؟
مصر خَلا نِظامُها السياسي من الرجل الثاني التقليدي منذ تولى مبارك الحكم في عام 1981، وهو الذي كان يحتل منصب نائب رئيس الجمهورية ــــ أنور السادات الذي تم تنصيبه رئيسا بعد جمال عبدالناصر، ولاحظنا كيف لعب مبارك بورقة النائب حتى قبل لحظات سقوطه المدوّي، وكأن الرجل الثاني مجرد كومبارس لإكمال هيبة الدولة.
وفي الدول التي تُحكم بنظام الحزب الواحد والشعارات الثورية، كلّنا نعرف أن الرجل الثاني مجرد صِفرٍ على الشمال، وما هو إلّا لتكملة حلقات ديكور الديمقراطية.
الأحزاب العربية بمجملها هي أحزاب الرجل الواحد، حتى التي تدّعي الديمقراطية لا يَسمح الرجل الأول فيها بتقدم أحد مِن منافسيه إلى كرسيّ الزعامة، فإذا ما بلغ مِن العمر عِتِيّا بدأ بالتآمر على خليفته، ليَحرِق كل السفن  مِن بعده.
تنظيم القاعدة لم يَنجُ مِن هذه اللّعبة السياسية أيضًا؛ حيث لعب الإعلام دورًا أساسيًا في تسمية أيمن الظواهري الرجل الثاني بعد ابن لادن، ومِن المعلوم أن التنظيم لم يُسمِّه قبل ذلك، ولا يَعرف أحدٌ حتى الآن هياكل قيادته التنظيمية.
عصابة داعش الإجرامية، بايعت ما يُسمّى الخليفة أبي بكر البغدادي، الذي لم يظهر سوى مرة واحدة، بعدها غاب عن الأنظار، حتى أن معلومات كثيرة عن إصابته إصابات بالغة، لم يعد بعدها يتمكن من الحركة، ومع هذا لم تُعلن العصابة اسم الرجل الثاني فيها.
في سورية التي تتعرض للحرب منذ أكثر من ست سنوات، لا أحد يعرف مَن هو الرجل الثاني بعد بشار الأسد، الذي انحصرت الأهداف الرئيسية للحرب في فترات مُعيّنة  في تنحيته وإيجاد البديل، حتى أن معلومات نُشرت في فترة ما بأن الروس يجهزون بديلًا للأسد، من طائفته ومن عناصر الجيش السوري.
في فلسطين، نصف الدولة، ونصف السلطة، غاب الرئيس الراحل ياسر عرفات ولم يكن معروفًا من هو الرجل الثاني بعده، وها هو خليفته يُخفي فكرة الرجل الثاني مرةً أخرى، وإذا غاب محمود عباس لا أحد يعلم مَن  هو خليفته.
الرجل الثاني ليس ضروريًا أن يكون داخل دائرة الضوء وعدسات الإعلام، فقد يُفضل البقاء في الظل فترات زمنية طويلة، حسب طبيعة نظام حكم الرجل الأول الذي يخشى باستمرار مِن المنافسة، وعليه؛ يكون أكبر خطأ يقع فيه الرجل الثاني هو حين يحلم بالوصول إلى دور الرجل الأول سريعًا، فيبث ذلك بشكل أو بآخر في الزعيم نفسه المخاوف مِن أن تجري المياه تحت قدميه مِن دون أن يدري، فيعمل على إزاحته بسرعة.
وليس ضروريًا هنا أن يكون الرجل الثاني المُخيف متربعًا على كرسي النيابة، بل يُمكن أن يصل الأمر إلى إزاحة وزيرٍ أو رئيس وزراء بعدما يُصبح اسمه على ألسِنة الجماهير منطوقًا أكثر من اسم الزعيم نفسه.
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

القبض على احدى سارقي السفارة الأردنية في باريس

الأول نيوز – قالت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، إن السلطات الفرنسية ألقت القبض على أحد …