قمةُ البحرِ الميّت مقابِل أضواء القُدس.."يا واش يا واش"

أسامة الرنتيسي-
المشهد الأول:
تَركَ القادةُ العربُ ضُيوفُ الأردن إلى القمّة العربيّة المُنعقدةِ في البحر الميّت، قصورَ الضّيافةِ والفنادقَ التي خُصّصت لهم، بَعد غُروب الشّمس واقتربوا مَن شاطئ البحر الميّت ليراقبوا أضواء مدينة القدس وانعكاسات ضوء القمر على قبة الأقصى الذّهبية.
المشهد الثاني:
لحظات صفاء خالجت قلوبَ القادة، فانهمَرت دموعُهم عندما تذكّروا عاصمة الدُّنيا الأسيرة، وثالث الحرمين الشريفين وكنيسة المهد، وقالوا لبعضهم ماذا فعلنا لها، وماذا فعلنا بشعوبنا.
المشهد الثالث:
عادوا إلى غُرفِهم ومزّقوا الأوراق المُعدّةِ مِن قِبَل المُستشارين لكلماتهم في جلسة افتتاح القمّة، وقالوا لأنفسهم إنهم سيتحدثون من القلب للقلب..بمواقف تُشبه ليلة السّهر مع القدس.
المشهد الرابع:
زوجتي تصحو على صوتي المرتفع وأنا أهلوِسُ، فتطلب مني أن أغيّر وضعية نومي..
أجمل ما في فيلم عادل إمام الشهير “طيور الظلام”، الذي يَنتقدُ فيه الحركات الإسلاموية، هو المشهد الذي كان يجلس فيه في بيت عزاء والده وإلى جواره رياض الخولي صديقه في الجامعة القائد في الحركة الإسلامية…”يقول عنه عادل إمام إنه كان شيوعيًا متخفيًا بين الإسلاميين”، والصديق الآخر أحمد راتب “اليساري أبو الشعارات، الذي لم تُبدِّله الأيام”، وذلك عندما غنّى الثلاثي في بيت العزاء، “يا واش يا واش يا مُرجيحة. مَتصُدّهاشي يا مُرجيحة. هيلا هيلا هبا هيلا هيلا هبا..”.
وعلى ذمة المهندس سامح فرج، فإن “يا واش يا واش” معناها “مهلًا مهلًا” أو “رُويدًا رُويدًا”. وهو أحد التعبيرات الشعبية المصرية، وهذا التعبير ورَد شرحُه بالتّفصيل، وكذلك كتابتُه بالحروف التركية في كتاب “معجم فرج للعامية المصرية والتعبيرات الشعبية”، الصادر عن الهيئة المصرية للكِتاب عام 2006.
تذكّرت “طيور الظّلام”، و”يا واش يا واش”، وأنا أراجع بعض كلمات الزُّعماء والقادةِ في آخر ثلاثة قِمَم، في معظمها كانت من خطابات سابقة.. وكلمات أخرى اتّسمت بالتّصيّد، والكَيْدية، وفيها تحرّشات لا تَدلُّ على عُمقٍ سياسيٍ للمرحلة التي نعيشها.
كلمات قليلة، كانت تُدرك خطورة المرحلة، لهذا حذّرت من الاستمرار في بحر الخلافات التي عشّشت بين دول عربية.
لَم يتجرّأ زعيمٌ عربيٌ على التَّوقُّف لحظة إزاء مرحلةٍ لا نعرفُها في ثقافتنا السّياسية، ألا وهي النقد الذاتي، ليعترف أنه أخطأ في سياساته تُجاه دولة شقيقة أخرى، نَصَب لها العداء والمؤامرات على سبيل المثال.
عدمُ الاعتراف بالخطأ ثقافةٌ يمارسها الجميع، الأفراد والجماعات والأحزاب والمنظمات، والوزارات والمؤسسات، لا بل يتجاوز بعضهم إلى التعالي على الأخطاء حتى يصل الأمر إلى أن يُقنع المُخطئ المُعاند الآخرين بأنه دومًا على صواب.. وأنّهم هم المخطئون دومًا.. إلى محاولة تبريره، وتطويع المنطق ليصبح الصواب خطأً والخطأ صوابًا. 
تنعقد القمّة اليوم في البحر الميّت في ظروف استثنائية تمر بها المنطقة العربية، وإقليمية لم تعد فيها دول الإقليم الأخرى القوية إيران وتركيا، بعيدتين عن مد اليَد في المعدة العربية، ولا تزال إسرائيل عدو الأمة العربية شعوبًا وأنظمة، لا تترك فرصة إلّا وتزيد في تمزيق الجسد العربي وتقسيمهكما لَم يَعُد العالم خاضعًا لشرطي واحد، بل دخل مُنافسٌ جديدٌشرسٌ، يُهدّد بالحرب، ويدافع عن مصالحه ومصالح أنظمة تدور في فلكه، وكأنه مُلتزمٌ بالشِّق الأول من القاعدة الدينية المعروفة أنصر أخاك ظالمًا أو مظلمومًا“.
عودة إلى “يا واش يا واش” والأفلام، فقد تذكرت أيضًا الخلاف الذي وقع مع سيناريست فيلم “الكرنك” الشهير للكاتب ممدوح الليثي قبل وفاته وبعد سنوات من الصراع، والمخرج المُبدع خالد يوسف لتنفيذ فيلم “المشير والرئيس” الذي يُسجّل مرحلة مهمةً في تاريخ مصر بشخصية عبد الحكيم عامر الذي هدّدت أسرته بمقاضاة صانعي الفيلم إذا تم إنتاجه، خصوصًا أن الليثي يَدَّعي في سيناريو الفيلم أن عامر مات مُنتحرًا، وهو ما ترفضه أسرة المشير، مؤكدةً أنه مات مقتولًا في سجنه.
السياسيون بَشر، لا ملائكة، قد ينتحرون وقد يخطئون، وهم عاكسة حقيقية لمجتمعاتهم. مجتمعاتنا.. أليس كذلك؟
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

عمر العبداللات يحيي حفل إفتتاح ملعب بنغازي الدولي بحضور نجوم كرة القدم العالميين

الأول نيوز – أحيا النجم العربي الفنان عمر العبداللات حفل افتتاح ستاد بنغازي الدولي في …