السبت , أكتوبر 19 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

قِصّةُ نجاح إسراء أبو الكشك

د. إسراء الجيوسي
ستكون مقالتي اليوم قصة نجاح إنسانٍ تَحدّت العقبات والحواجز كلها، ولم تَدعْ شيئًا يقف عائقًا في مواجهة مسيرتها وطموحها اللذين لن يوقفهما  شيء إلّا إرادة الله عز وجل.
 “إسراء  أبو الكشك صديقتي وزميلتي،  معرفتي بها حديثة العهد، لكن ما يجعلها مفضلة بين أقرانها؛ أخلاقها النبيلة وتعاملها مع الآخرين، ما يكفي لأن تعرف عنها كأنك تعرفها طوال عمرك.
 فتاة بغاية الروعة والود والحديث عنها لا يتوقف عند هذا الحد،  فهي إنسانٌ، قوية الإراده تسير نحو هدفها ومستقبلها بخطًا ثابتة واثقة.
إسراء  أبو الكشك؛ فقدت بصرها وهي صغيرة، فاستعانت ببصيرتها لإضاءة حياتها، وجعلت من إرادتها قوة، لتحقيق النجاحات ومواصلة العطاء، لتصل إلى ما تريد بعزم وإصرار.
وذات يوم أخبرتها أني أود أن أتعرّف أسباب الإعاقة البصرية التي لديها إذا كان الحديث عن هذا الموضوع لا يسبب أية حساسية، ففاجأتني بردّها عندما قالت لي: أفضّل أن أكون معاقة بصريًا على أن أكون مُغيّبةُ البصيرة، أو أتجاهل الأشياء أو أخاف  الحديث عنها،  لأني لا أجرؤ على الحديث فألتزم الصمت عنوة أو كرهًا.
وعند الحديث معها عن سبب إعاقتها البصرية أخبرتني أن والدتها كانت مصابة بمرض الحصبة الألمانية أثناء الحمل بها، فولِدت ببصرٍ جزئيٍ، بعدها خضعت للعديد من العمليات والتمرينات لاستعادة بصرها بالكامل، ومع دخولها العام السادس، أجريت لها عملية تبديل قرنية، على أمل أن ترى النور بشكل كامل فتعيش كأنها مولودة من جديد، إلّا أن خطأً طبّيًا حرمها الرؤية تمامًا.
تقول صديقتي: “وعيت على نفسي وأنا لا أرى، وساعدني أهلي كثيرا ودعموني، ولم أشعر بأي اختلاف عنهم، وفي الصفوف الأولى من مرحلة الدراسة الابتدائية، كانت والدتي  مُدرّسة في مدرسة حكومية قريبة من منزلنا، ما ساعدني على أن أعيش حياة الطالبة غير الكفيفة؛ ولم أشعر بذلك بتاتًا، لا من مدرساتي ولا حتى من زميلاتي”.
كان نظام الدراسة المُتّبع في حياة إسراء  في البداية “سماعيًا”، حيث تقوم بحفظ المواد عن طريق السّمع، أو الفهم في حال كانت المادة تحتاج إلى ذلك، لكن بدأ الأمر يصعُب قليلًا، بعد إبعادها عن مَدرسِتها، وإدخالها مدرسة داخلية تخضع لنظام “بريل”، وتعليمها كيفية القيام بواجباتها وحدها من دون مساعدة أي طرف، ومن ثم تعود لذويها في نهاية الأسبوع.
لم تشعر إسراء  أن شيئا ينقصها، وفي حال شعرت بذلك من خلال سؤالها لمن حولها، كانت تفادى الموضوع، أو تجيب بثقة كبيرة، “إسرا  كانت تتعامل مع  الظروف المحيطة بها بشكل إيجابي، فهي لا تَحرم نفسها  المشاركات الاجتماعية والثقافية أو دخول المسابقات أو المشاركة في الإحتفالات، أو تبادل الزيارات مع صديقاتها وذويها.
واجهت إسراء عند وصولها  المرحلة الثانوية، العديد من الصعوبات، ولم تكن هذه الصعوبات من المَدرسة، بل كانت من خلال تعاملها مع الوزارة، والاستعانة بـ “كاتبة” لمساعدتها في إنجاز امتحاناتها. فقد حصلت في المرحلة الثانوية  على معدل 89 من مئة” وكانت تطمح الحصول على أعلى من ذلك.
لم تتوقف طموحات إسراء أبو كشك عند دراسة التوجيهي فقط، “فقد أكملت دراستها الجامعية، في جامعة البلقاء التطبيقية في عجلون،  تخصص اللغة الإنجليزية وآدابها”. وقد كان الفضل الأول والأخير لوالدتها في مساعدتها ومآزرتها وتعليمها،  من خلال تسجيل المواد على أشرطة تسجيل بصوتها، وتلخيص المواد الدراسية، ما جعلها تنهي تحصيلها العلمي خلال ثلاثة أعوام بتقدير امتياز.
 وتواصَل طموح “إسراء” بعد دراستها الجامعية، لتعزّز قدراتها بالالتحاق بدورات تدريبية في المجال التكنولوجي في المركز السعودي للكفيفات، إلى جانب تعلم كثير من المهارات، إلى أن أصبحت تعمل على تدريب الكفيفات اللغة الإنجليزية وآدابها في المركز، ليخصص لها المسؤولون مكافأة في البداية وبعد ذلك راتب بشكل شهري.
لم تتوقف عند هذا الحد ققد حصلت على شهادة الماجستير ومن ثم اجتهدت وثابرت وواصلت حتى التحقت ببرنامج الدكتوراة في علم النفس، وهي على مشارف الانتهاء ومن ثم يُكلّل صبرها وجدها بحصولها على درجة الدكتوراة برغم  المصاعب والتحديات التي تواجهها.
وتتابع “إسراء” مساعيها لأن تكون مدربة في مجال تخصصها، إضافة إلى كل ما تقوم به في حياتها من أمور المنزل والإعتناء بمظهرها ونظافة وترتيب مكانها.
صديقتي العزيزة؛  أقف أنا اليوم حائرة إزاء تلك الإرادة القوية التي تملكينها، لتجعلك تتميزين بها عن غيرك، لأني أرى أنسًا كثيرين ينعمون بنعمة البصر، لكنهم يفقدون البصيرة والإرادة والطموح.
 أقف لك إجلالًا وإكبارًا, وأدعو الله أن يكون لك عونًا لتكملي مسيرة حياتك وتحققي طموحك بما تحبين وترضين، وأن تكوني قدوةً لغيرك يحذو حذوَك.
ودمتم طيبين…
 

 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

بيان عربي يؤكد ضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة

الأول نيوز- أكد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، المنعقد في دورة غير عادية …