أسامة الرنتيسي |
قَد لا يَمتَلِكُ أيُّ سياسيٍ أو خبيرٍ أو مفكرٍ استراتيجيٍ الإجابة عن سؤال الأردنيين الدائم؛ “وين رايحة البلد…”، وهذا الواقعُ مُتناغِمٌ مع الحالة السياسية والعامة والخاصة أيضًا، في البلاد التي تعمل ضمن نظرية “خلّيها لَبُكرة..” و”خلّيها لَبُكرة” نظريةُ مَن لا يعرفُ ماذا يَفعل في أية قضية تُطرح على مسمعه مِن المستويات كافة، ومِن شتى المتفائلين والمتشائمين. إذا ما طَلبتَ شيئًا مِن صديقٍ في أية قضية كانت، خاصة أو عامة، فتَلعثم في الإجابة، فيبادر فورًا قائلَا لك: “خلّيها لَبُكرة وبِنْشوف..” إذا طلبت مساعدة أو حاجة مِن مسؤول أو أي شخص، لا يستطيع تلبيتها، ولا يُريدك أن تعرف عدم إمكانه تلبية ذلك، فإنه ينسحب موعِدًا “خليها لبكرة…” و”خليها لبكرة..” تسمعها من الوزير والسياسي والاقتصادي ورجل الشارع وحارس العمارة، وأنت بدورك تُسمعها لزوجِك وأولادك والبقال الذي تستدين منه، ومحاسب المدرسة الذي لم تستطع أن تسدد له باقي أقساط أبنائك… بَيْن “خلّيها لَبكرة” و”وين رايحة البلد”، تُشاهد حجم التجهُّم على وجوه الناس، وترى الترقّب في العيون، والقلق مِن بُكرة، والحيرة في الإجابة عن المستقبل. “وين رايحة البلد” سؤال تَصعُب إجابته في ظل الضبّاب الذي يَلُف القضايا الإقليمية مِن حَولِنا، فالمعركة الفاصلة مع عصابة داعش الإجرامية في الأنبار لا بُدّ أن يكون لها انعكاسات وارتدادات علينا، أقلّها حركة لجوء جديدة. والحربُ المُستَعٍرة في اليمن، لا يَفهم أحدٌ إلى أين ستوصِل نتائجها، ولا ندري متى سيمطر الغيم السوري الأسود، بعد كل هذه السنوات من الخراب والدمار، وهل سنشهد مجازر جديدة شبيهة بخان شيخون، أو اعتداءات على قواعد سورية أخرى غير الشعيرات، ومتى ستستأنف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة بسبب تعنت نتنياهو وتطرفه، وإن استؤنفت ماذا ستكون نتائجها، بعد أن تاهت مشروعات المصالحة الفلسطينية في غياهب الجُبْ. “وين البلد رايحة” في ظِلِّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصّعبة التي يمر بها الأردنيون، وانتظار كرم الأشقاء والأصدقاء، الذين لا يُقَدِّرون أحوال الأردنيين، وصعوبة الحياة التي يمرون بها، بعد أن دفعوا فواتير أزمات كثيرة تعصف بالمنطقة. وفي ظِلّ اعتلال العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، برغم تدخلات رأس الهرم، حتى باتت الجلسات النيابية لا تمر من دون مشاجرة، أو مذكرة، أو تقريع بين الحكومة والنواب، واستعارة مواقف سابقة للّوم والتذكير. “وين البلد رايحة” بعد أن أصبح شعار الشباب الأردنيين؛ إنّ أفضل طريق لبناء المستقبل، طريق المطار، والهجرة إلى المجهول، لعلّ وعسى أن يتم العثور على فرصة للحياة والعمل والأمل. أقول لكم: “خلّوها لَبكرة..” والدّايم الله. |