مقصرون في مواجهة خطاب التطرف والكراهية

أسامة الرنتيسي
 
منذ سنوات ولجانٌ متخصّصةٌ وصناعُ قرارٍ يتحدّثون عن خطة الدولة في مواجهة خطاب التطرف، لكن حتى الآن لم نشهد جَهْدًا ملموسًا أحدث فرقًا في ثقافة المجتمع وسلوكه.
نتفق مع كل رأي يؤكد قِيمَ التّسامح والوسطية التي يتمتّع بها عموم المجتمع الأردني، إلّا أن هذا لا يَمنعُنا من التأشير إلى نقاط يجب الالتفات إليها في خطة الدولة الفكرية لمواجهة خطاب التطرف والكراهية، وأيضًا الخطاب الذي لا ينسجم مع خطاب الدولة المعتدل، يقوم به أشخاص يعملون في مؤسسات الدولة، لا ينسجمون مع خطابها المُعلَن، بل يُقدّمون خطابًا مُتناقضًا مع  الخطاب الرسمي.
في وزارة الأوقاف، هناك العديد من خطباء المساجد، داخل العاصمة وخارجها، يقدّمون خطابًا دينيًا لا ينسجم مع الخطاب الذي تُوَجِّه به الدولة الأردنية، ولا الوزارة  نفسها أسبوعيًا، بل يصل الأمر ببعض الخطباء الإشهار بدعم الإرهاب، معتبرين ذلك جزءًا من الدعوة، وبعضهم يدعو في نهاية خطبة الجمعة إلى نُصرة المجاهدين في “العراق والشام”، ويختصرون الدعوة للمجاهدين في “العراق والشام” حتى تكون رسالتهم واضحة تصب في مصلحة ما يسمى “الدولة الاسلامية في العراق والشام”، ولا يتجرّأ الخطباء حتى الآن على مناصرة داعش علنًا، لكن إذا تُركت الأمور من دون توجيه، فستتم الدعوة بالنصر لتنظيم داعش من على المنابر الأردنية، ومن خطباء وزارة الأوقاف الذين يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة الأردنية.
في المؤسسات التعليمية المعنية بالتعليم العالي،  الجامعات تحديدًا، هناك مدرسون يقدمون خطابًا متطرفًا، وفيه لغة الكراهية، ينسجم مع خطاب التنظيمات الإرهابية، وينسجون علاقات مع طلبة التخصّصات العلمية تحديدًا، لكسبهم إلى صف الخطاب الذي يدعون إليه، ولا يتورّعون عن دعوة الطلبة إلى الإلتحاق بدروس الدعوة التي يقدمونها في المساجد بعد الصلاة، هؤلاء تحديدًا يجدون حاضنة تتقبل دعواتهم، خاصة أنهم يتّبعون خطابًا شبابيًا، يبدو في ظاهره متنورًا، يعتمد على وسائل التواصل الحديثة.
في وزارة التربية، هناك معلمون ومعلمات، خاصة من المحسوبين على خط الإسلام السياسي، لهم علاقة ما بأحزاب دينية، لا يُخفون تعاطفهم مع  التنظيمات الإرهابية، ويخلطون بقصد  بين الدين الإسلامي السمح، والتيارات الإسلامية، وأن ما يجري في العالم  هو جزء من المؤامرة على الدين.
لا نقول هذا الكلام دعوة لتكميم الأفواه، ولا حتى توجيههم للخطاب المعادي لداعش، لكنها دعوة للتفاهم مع هؤلاء العاملين في مؤسسات الدولة، بأن ما يقومون به يتناقض مع أولويات الدولة التي يعيشون فيها، ومع الجهات التي تسمح لهم بالخروج إلى الناس لمخاطبتهم بما يمس حياتهم، وأن المنابر والجامعات والمدارس ليست منصات ترويج لفكر متطرف لا ندري إلى أين ستصل بنا الأمور بسببه.
هناك تقصير شديد ممن يَدّعون الاعتدال في تيار الإسلام السياسي بالكشف عن ممارسات داعش، وأن ليس لهم علاقة بالإسلام المتسامح، ولا نعتقد أن هذا التقصير عبثي، بل هو في صلب فكر هذا التيار المعتدل، لأنه في حقيقة الأمر لا يختلف كثيرًا عن فكر داعش، لهذا هم لا ينتقدونه  ولا يدينونه ولا يهاجمونه بأية طريقة كانت، لا بل يصمتون عليه.
لم نسمع حتى الآن  إدانة مباشرة من قبل جماعات الإسلام السياسي، والإخوان المسلمين على رأسهم يَدينون ممارسات داعش، وان تم حشر أي من قياداتهم في زاوية الإجابة المباشرة، يدعون لهم بالهداية، ويحمّلون الأنظمة مسؤولية ولادة هذا التطرف.
صحيح أن الأنظمة المستبدة تتحمل مسؤولية ولادة داعش والتطرف، لكن الإسلام السياسي الناعم يتحمل مسؤولية خطف الإسلام والحديث باسمه من قبل داعش وأشكاله المتعددة، فالجميع شركاء في صناعة هذه الوحشية إزاء الإنسانية.
واهِمٌ من يظن ألّا حواضن اجتماعية للفكر المتطرف في مجتمعنا، لهذا علينا أن نبدأ المواجهة الفكرية،  اليوم قبل غدٍ.
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

لا حياد في العدوان.. صواريخ تفرح القلوب

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز –  العدوان الصهيوني على إيران لا حياد فيه، فكل …