الأزهر الشريف .. لماذا وكيف وإلى أين ؟!

الأول نيوز – مصر – فتحي خطاب-
 
كنت مقدرًا لمشاعر صديقي  النبيل، إذ كان مجروحًا  بسبب الجرائم الشيطانية التي استباحت دماء المصريين من الأقباط  داخل الكنائيس .. وهو يرى أن الأزهر يتحمّل المسؤولية عن  انتشار الفكر التكفيري الظلامي العنصري الدموي، وبالضرورة  مسؤوليته عن دماء الأبرياء من  أقباط مصر على جدران الكنائيس .. كان تعبير الصديق ــ إستشاري  أمراض القلب ـ  أقرب للتساؤل : لِمَ وكيف وإلى أين  يتّجه دور الأزهر ؟!  تساؤلات  مشروعة ، وملحّة، سبق أن طرحتُها  قبل وبعد  تولّي الدكتور أحمد الطيب، مشيخة الأزهر، وقلت له : أستطيع أن أعطيكم أسماء أكثر من  50 أستاذًا بجامعة الأزهر، يحملون “فقه البداوة” المتشدد البعيد عن صحيح الإسلام وينشرونه، حيث جاءوا به من الصحراء العربية، ومع غياب أو تراجع الفكر الوسطي المعتدل للأزهر الشريف، والذي لم يعد قادرًا على أداء رسالته على الوجه المأمول.
كلمات الصديق لم تكن هجومًا على الأزهر ، مثلما فعل  بعضهم  لأسباب مشكوك في نواياهم،  وفي مصادرهم الداخلية والخارجية،  وفجروا موجة من التشويه والإساءة لقلعة الإسلام الوسطي المعتدل في العالم .. ولم يتجاوز صديقي ، برغم مواجع حزن أقباط مصر،  كما فعل المفتي السعودي، عبد العزيز آل الشيخ، يوم الاربعاء الماضي 3 مايو / آيار ،  قائلا:  «الأزهر لا يمثل الإسلام الحقيقي في شيء وتصرفات زعمائه خيانة للمسلمين»، معتبرًا أن «خطة بناء الأزهر خطة نصرانية يهودية تهدف إلى تدمير هُوية الاسلام الحقيقي وتغييرها إلى القراءات الضالة والباطلة» .. وأضاف رئيس هيئة كبار العلماء في السعودية، إن «الأزهر والمصريين فشلا على مر التاريخ  في مواجهة الصعوبات والمنعطفات الخطيرة»، على حد قوله !؟!
وقد يكون بعض التفصيل  لازمًا ، بقدر ما هو ضروري للشرح والتوضيح :
أولًا : هناك ملامح رئيسية للصورة لا بد من تحديدها  وهي: البداية كانت مع عام 1974 تقريبًا، بعد أن انتهى اجتماع «استراحة جانكليس» بقبول الوساطة السعودية الأمريكية بعودة الإخوان المسلمين لمصر، وكان الرئيس السادات متقبلًا لذلك، على الأقل، لأنه توجه مخالف لفكر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .. وعلى  المسار نفسه، نرى إذا كان عبد الناصر صديقًا حميمًا لقداسة البابا «كيرلس السادس»،فإن الوضع مختلف الآن مع قداسة البابا  شنودة، ولابد من «عزله» !! وهي بداية موجة التيار السلفي بمختلف صوره، وبمختلف مسميات الجماعات الإسلامية .. وفي الوقت نفسه كان دور الأزهر آخذًا في التراجع والانسحاب تاركًا الساحة لهؤلاء.
ثانيًا : السنوات التي امتدت أكثر من أربعة عقود (منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين، وحتى بدايات عام 2011 )، شهدت تراجعًا أقرب لغياب دور الأزهر ، متزامنًا مع تراجع أقرب وغياب لدور مصر القومي، جرت خلالها إعادة تركيب الوضع المصري والعربي كله ، واندلعت في مصر ( لأول مرة في تاريخها الحديث) الشرارة الأولى للفتنة الطائفية ، في منطقةالخانكة ، شمال القاهرة ، في6 نوفمبر / تشرين الثاني1972، ثم حادثة الزاوية الحمراء، بالقاهرة، في12 يونيو / حزيران 1981 ، ثم واقعة قرية الكشح بمحافظة سوهاج في 31 ديسمبر / كانون الأول 1999 .. ثم توالت أحداثٌ طائفية أخرى .. وكانت المحركات ترجع إلى غياب دور الأزهر، بعد أن تبنى عددٌ من أساتذة وعلماء جامعة الأزهر الفكر المتشدد “الوهابي”عادوا به من الجزيرة العربية، بعد أن كان دورهم في سنوات البعثات الدينية، والمنتدبين للتدريس في الجامعات والمعاهد العربية، فيسنوات الخمسينيات والستينيات ــ تحديدا ــ تدريس منهج الأزهر الوسطي المعتدل، إلّا أن إغراءات”الثراء النفطي”  كان لها تأثيرٌ نافذٌ في نشر المذهب الأصولي المتشدد، وما تفرع عنه فيما بعد من الفكر التكفيري بمزاعم”الجهاد” .
ثالثا: المعروف أن الأزهر كان يتمسّك بالمذهب الأشعري، طوال أكثر من 10 قرون، هي تاريخ وعمر الأزهر ، ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أن هذا المذهب يمثل الوسطية والاعتدال في الإسلام، ومن أبرز العلماء الذين يعتنقون هذا المذهب، الإمام النووي شارح صحيح مسلم، وصاحب رياض الصالحين، والإمام ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري في كتابه الكبير فتح الباري، ومن العلماء القرطبي وابن العربي والرازي وابن عطية والسيوطي والآلوسي والزرقاني، ومن أهل الحديث وعلومه نجد الحاكم والبيهقي والخطيب البغدادي وابن عساكر والخطابي وأبو نعيم الأصبهاني والعز بن عبدالسلام وابن حجر. 
رابعا : كان الأزهر مُحقًا في التّمسك بهذا المذهب وتدريس علومه لطلابه، وهذا المذهب لم يكن أمرًا مخترعًا أو محدثًا في الدين، بل كان انعكاسًا صادقًا أمينًا لما كان عليه النبي وصحابته وتابعوهم من يسر وبساطة في الدين، عقيدة وشريعة وأخلاقا، وهو ليس مذهبًا فقهيًا على غرار المذاهب الفقهية الأربعة : الحنابلة والمالكية والشافعية والحنفية، بل هو مذهب عقائدي،يكشف ويفند ويواجه مذهب المعتزلة والمرجئة والسلفية .. وهو نقطة الخلاف الأبرز بينفكر الأزهر الوسطي المعتدل .. والفكر”الوهابي”  السلفي ، حيث تقام مجالس تأديب لمن يثبت فى حقه تدريس المذهب الأشعرى، في المملكة السعودية .. كان الخلاف واضحًا ومعلنًا حتى بدايات عام 1975 وبداية سحب البساط من تحت مشيخة الأزهر لمصلحة السلفيين “الوهابيين” ومعهم جماعة الإخوان المسلمين.

  • خامسًا:القضية .. أن دور الأزهر كان مستهدفًا من كثيرٍ ممن لهم نواياهم، ومصالح مذاهبهم، وحتى مطامع تيارات زحفت إلينا بفقه البداوة، تفرض ثقافة دينية بذاتها ومن الزيّ إلى العادات والمفاهيم العامة، وكانت المسألة أخطر مما نتصور بعد أن تسلل تيار سلفي متشدد إلى داخل الأزهر ، وكما تسلل الإخوان المسلمون أيضا حتى وقعت الواقعة الكاشفة داخل جدران الأزهر ، من العرض العسكري لمليشيات الجماعة ، وفي تحد أقرب للتهديد لرئيس جامعة الأزهر وقتئذ، الدكتور أحمد الطيب التي ألقي القبض فيها على نحو١٤٠متهمًا،وتعود أحداث القضيةإلى يوم 10ديسمبر / كانون الأول  2006،

سادسًا: أكثر من أربعين عامًا فتحت الأبواب لاختراق (الأزهر الشريف) وتهذيب دوره أولًا ، ثم الحسم من رصيده في العالمين العربي والإسلامي ، ثم جرت عمليات تجريف وتفريغ ، ثم عملية استيعاب وقَف في وجهها وتصدّى لها الإمام الأكبر الأسبق الشيخ جاد الحق ـ رحمه الله ـ وكان العبْء ثقيلًا على العالِم الجليل .. ثم تواصلت حملات الإجهاد ، واختزال الدور في مواقف وسياسات النظام الحاكم ، وطبع الأزهر على صورة الواقع السياسي !! ولم يقف أحد ليحلل ويدقق بالقدر الكافي ، في حقائق وأسباب هذا التراجع ، بما في ذلك الدواعي والأحكام ، وكيف حدث ؟ ولمصلحة من ؟!
                                    
 وكانت الصورة ناطقة ومتحركة ، تدفع أمامها بنتائج لامجال فيها لِلَبس أو اجتهاد ، داخل عدد من الدول الأفريقية ، وحين التقَيتُ الباحث النيجيري ،جبريل آدم ، يدرس فقه المذاهب بالأزهر الشريف ، سألته عن دموية جماعة بوكو حرام وعنفهم ، فوجدته ينتفض على مقعده داخل ندوة المجلس الأعلى للثقافة، في صيف 2002 ،ويقول : «أنتم السببب .. أنتم السبب » .. وتساءلتمندهشًا كيف ؟ وماعلاقة مصر بالجماعات الإرهابية ؟! قال «آدم»: لقد سحبتم دور الأزهر من بلادنا، فحل محله دور فكر مذهب أصولي متشدد ، أقام مراكز اسلامية ومساجد مُلحِقًا بها دورات تثقيفية إسلامية، خرّجت أفواجًا من شبابنا متأثرين،  بل منتمين للفكر الجهادي، وهو غالبًا «تكفيري»، وغابت صورة صحيح الإسلام الوسطي بغياب الأزهر، وحضرت صورة الأصولية المتطرفة ، فكانت النتيجة أننا نعاني من ممارسات عنف وعمليات دموية لا تفرق بين أحد من النيجيريين !!
سابعًا: أتصور أن كلمات « جبريل » هي جواب عن السؤال : كيف ولمصلحة منغياب دور الأزهر؟! وهل هناك بُعد سياسي في قضية الغياب؟ ! كان واضحًا منذ البداية رفض السلفيينلتعيين الدكتور احمد الطيب ، شيخًا للأزهر، ولعلّنا نذكر تظاهراتهم بمشاركة قيادات سلفية امام مشيخة الأزهر ، فيشهر أبريل / نيسان2013 مطالبين بعزله.. وسعت جماعة الإخوان المسلمين،
عبر عدة طرق إلى غزو الأزهر، وأخونته، وحصار المشيخة، وإطاحة شيخها، وكادت أن تنتصر فى مسعاها بمجرد وصول محمد مرسى مندوب الجماعة فى قصر الرئاسة، إلى سدة الحكم، إلّا أن ثورة 30 يونيو / حزيران2013 أجهضت هذا المخطط.. وظهرت الرموز الإخوانية داخل الأزهر، عقب الثورة وإطاحة محمد مرسى، وجمعوا أنفسهم فيما سمّوه حركة«أزهريون ضد الانقلاب »، التى دشنوها لعزل شيخ الأزهر بدعوى حضوره اجتماع القوى السياسية فى 3 يوليو، الذي تم فيه عزل محمد.
ثامنًا: وفي إطار الواقع الجديد للشعوب العربية، إنطلقت المخاوف المسيحية من أفكار وتصريحات وبيانات أصحاب الفكر الظلامي المتشدد ، ومن المقطوعين عن المصادر الحقيقية للعلوم الإسلامية ، الذين يجهلون أن المسيحيين كانوا من أعمدة الحضارة العربية الإسلامية ، ومن مؤسسي النهضة العربية الحديثة ، وكانوا في الصفوف الأولى لمقاومة الاستعمار الأجنبي والاحتلال الصهيوني !! ولم تكن مخاوف المسيحيين قد بدأت من المأساة البشعة التي حلت بالمسيحيين العراقيين ، أو تداعيات الفتنة والاحتقان الطائفي في مصر ، ولكن المخاوف والقلق إنطلقا من زحف الفكر المتشدد داخل الساحة العربية وبسبب غياب وتراجع دور الأزهر !!، هذه الظروف والاعتبارات والعناصر كلها، جعلت الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل ، يُعلي من شأن الحركة تُجاه عودة دور الأزهر ، وأن يتفق مع شيخ الأزهر، د. أحمد الطيب،في لقاء بمقر المشيخة في 16 يناير/ كانون الثاني  2017 ، على أن مصر لن تستعيد مكانتها وصدارتها في العالمين العربي والإسلامي ، إلا بالأزهر الشريف ، وقد بات واجبًا وفرض عين على الأزهر ، أن يُعيد كتيبة جديدة تصل ما انقطع بين الأزهر وثقافة الغرب منذ أربعة عقود ـ حسب تعبير الشيخ ــ وأن يعود الأزهر حصنًا لهُوية التّديُّن في الوطن العربي .
تاسعًا: ليس غريبًا بالطبع أن ترتبط حركة دور الأزهر ، بدور مصر ، وكلاهما تراجع ولأسباب تبدو قواسمها مشتركة .. وكلاهما تربصتبه قوى داخلية وخارجية .. قوى ومذاهب كان يثيرهاكـ”الثيران الهائجة” دور مصر .. ودور الأزهرالشريف ..وكلاهما أيضًا بدأ يستعيد الوعي بأهمية العودة، وأصدر الأزهر” «وثيقة الحريات » لتؤكد  ثوابت الدولة الوطنية لا الدينية ، والمساواة بين المواطنين ، واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة ، وإحياء القاعدة النبوية لعلاقة المسلمين بالمسيحيين في الدولة الواحدة وهي : «لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا » وهذه القاعدة تترجم بالمساواة في المواطنة ، وهي ليست مشروطة بالمساواة في العدد ، لأن الحق قيمة إنسانية مطلقة ، وهو غير مرتبط بنسبية الأعداد .
عاشرًا : أتصوّر .. ليست مصادفة تاريخية ، أن تبدأ خطوات استعادة الأزهر لدوره، وأن تسعى مصر لاستعادة دورها .
 
 
 
 
 
……………………………………….
 
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

أجواء حارة نسبيا في أغلب المناطق الاثنين

الأول نيوز – نخفض درجات الحرارة بشكل طفيف الاثنين، ويكون الطقس حارا نسبيا في أغلب …