أسامة الرنتيسي
لم يَشترِ أحدٌ دفاعَ رئيس ديوان التشريع والرأي، الصديق الدكتور نوفان العجارمة، عن قرار الحكومة تعديل رواتب الفئة العليا – المجموعة الثانية، بزيادتها نحو ٢٢٥ دينارًا.
كاشفًا عن دراسة لوزارة المالية، بأن القرار سيحقّق وفرًا ماليًا للخزينة، نظرًا لأن معظم العاملين في الفئة العليا بعقود ورواتب مرتفعة، لذلك سيتم توحيد الرواتب وبالنتيجة ستنخفض.
مشكلة التعامل مع الأرقام أزلّية في العقل الرسمي، وهناك عشرات الحالات التي تكشف عن أن أرقام الحكومة في وادٍ والواقعُ في وادٍ آخَر.
والأرقام عادة تأتي لتعكس الواقع، خاصة الاقتصادي، ومع هذا فإن مسؤولينا يتشاطرون في لَيّ عُنِقِ الحقيقة بالإعلان عن الأرقام، لهذا لا يُصدّق المواطن المتابع، وغير المعنيّ أيّ أرقام تذكرها الجهات الرسمية.
في أرقام نسب البطالة تَلاعبٌ واضحٌ، وانكشفت الحال أيضًا بأرقام العمّال الوافدين.
وفي نسب النّمو حدثت أكثر مِن مصيبة، والكلّ يذكرون فضيحة نسب النّمو قبل سنوات.
وفي أرقام المديونية الحال تشبه البورصة، وفي أرقام المساعدات الخارجية أحجيات، والفضيحة الأكبر كانت في الفاتورة النفطية وأسعار مواد الوقود.
حتّى في أرقام نسب السكّان، ومعدل النّمو السكاني في الأردن، فلا اتفاق على رقم، وانكشف الأمر بوضوح في أعداد اللاجئين السوريين، والخوف مِن أن تصل أحجيات الأرقام إلى معدّل الإنجاب الكُلّي.
يتذكّر بعضُنا أرقام رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالله النسور التي أطلقها في اسطنبول حول “برنامج عمل الحكومة لأربع سنوات مقبلة باستثمارات تُقدّر بنحو 10 مليارات دولار، تتضمن الأولويات والبرامج والمشروعات في 22 قطاعًا اقتصاديًا واجتماعيًا وخدميًا بما يزيد على ألف مشروع”.
مَنْ سمِعَ أرقام النسور في اسطنبول، ويتذكر المقابلات الصحافية والمتلفزة التي أجراها عند تسلّمه رئاسة الحكومة، وكيف (قطع يده وشحد عليها) وحذّرنا مِن كارثة مقبلة إن لم يرفع أسعار مواد الوقود، وقارن بين حاله في ذلك الوقت وحاله وهو يتحدّث عن الألف مشروع والعشرة مليارات، لا يمكن أن يصدّق أنّنا نُخطط لشيء، وكل واقعنا الاقتصادي مبني على نظرية (سارحة والرب راعيها).
طبعًا؛ الرئيس الحالي الدكتور هاني الملقي لم يكن أكثر بُخلًا بالمبالغة بالأرقام من سابقه، ونتذكّر المليارات التي تحدث عنها في مشروعات الطاقة.
لا يوجد أردني غيرَ مقتنعٍ بأزمة الموازنة المالية، وهو بكل ضمير صاحٍ، رضي بأن يَشُدّ الحزام منذ السنوات العجاف، لعل البلاد تخرج من محنتها، وتتجاوز العُسْر الذي أصابها نتيجة سياسات مالية واقتصادية عقيمة ومجربة، مع أنه يرى بعينه أن السياسات هي ذاتها، ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين هي أساس العملية الاقتصادية في البلاد، على رغمٍ مِن الويلات التي جرَّتها في السنوات الماضية.
لا نريد أن نسمع عن مشروعات بالآلاف ومليارات بالعشرات، نريد فقط أن نحلّ مشكلة موظفي جامعتي اليرموك والطفيلة الذين يطالبون بالحد الأدنى من حقوقهم.
نريد أن تتوقف اضرابات عمال المياومة، وتظلّمات المتقاعدين، وشكاوى الموظفين في القطاعات جميعها.
نريد فقط الحد الأدنى مِن الحقوق والكرامات، ولا نريد أن نسبح في أوهام المليارات ومئات المشروعات، ونحن نعرف البئر وغطاها.
لا نريد من الحكومة إلّا أن يأخذ دولة الرئيس “على رأسها شوية”، لعلّنا نجتاز هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة بأكملها، ونحن لسنا ببعيدين عن نارها وكوارثها.
أخر الارقام المرعبة ما أسفرت التطورات المالية العامة عن تسجيل عجز مالي في الموازنة العامة قدره 192 مليون دينار في الربع الأول من العام الحالي مقابل عجز مالي قدره 174 مليون دينار للفترة ذاتها من 2016. فأين نبيع الان التصريحات الحكومية عن التقشف وتخفيض المصروفات الحكومية.
مستقبلنا بالحيط لكننا نلعب بالوقت…الدايم الله…
الوسومأسامة الرنتيسي الأول نيوز الحكومة لا تكذب
شاهد أيضاً
عقلاء وحكماء في بطانة صانع القرار
أسامة الرنتيسي – الأول نيوز – نمرّ بمرحلة في غاية الحسّاسية، لا ينفع فيها …