في فنون الدجل على الدين

زُلَيْخَة أبوريشة –
 
فتحت محاضرةٌ دينيّةٌ في نقابة المهندسين قبل أسبوعين البابَ عريضاً على نقاشٍ مجتمعيٍّ لموضوع الدجلِ باسم الدين، وتغليفِ الخطاب الدينيّ بنكهة العلوم المعاصرة، من أجل ترويجِ دينٍ يعتقدُ كثيرون أنه ليس بحاجةٍ إلى ترويجه بين معتنقيه ومُقدِّري شأنِه، وكأنّ الداعيةَ الفهلويَّ يبيعُ الماءَ في حارةِ السقايين! فبالإضافةِ إلى انعدام الفائدةِ من نشرِ أكاذيبِ العلمِ بين المسلمين، فإن أحداً من غير المسلمين لن يأبه أن يداويَ يقينَه بهذا المنهج الكاريكاتوري الخادع، والكتبُ المقدَّسةُ الأخرى لها من يتناولها بالمنهج الكاريكاتوري الخادعِ نفسِه.
فحُجّةُ الدعوةِ إلى الإسلام حُجّةٌ ساقطةٌ، بالإضافةِ إلى أنَّ أبناء حضارة المعرفةِ في الخارج ليسَ من السهلِ خداعُهم أو التأثيرُ عليهم من خلالِ نصٍّ بلاغيٍّ بلغةٍ أخرى.
ولا يصدّقنَّ أحدٌ أنَّ العالِمَ الفلانيّ قد أسلمَ لأنه فحصَ قطعةً من الحجر الأسود في مكة فوجد أنها لا تمتُّ إلى طبيعة صخور هذا الكوكب!! فما يضيرُ العالمَ أنَّ المسلمين يطوفون بحجرٍ هو بقيّةٌ من نيزك؟ هذا بالإضافة إلى أنَّ المذكورَ، وهو المستشرق ريتشارد فرانسيس بيرتون، عالم اللغات والجاسوس والدبلوماسي والمترجم (ترجم ألف ليلة وليلة وكيما سوترا الهندية)، الذي تسلّلَ إلى مكة في ثوبِ طبيبٍ أفغانيّ مسلم ليشهدَ بنفسه طقوس الحج الإسلاميّ، لم يرد في سيرته، أنه غيّر دينه لسببٍ يبدو من التفاهة بحيثُ لن يصدقه الأطفال!
يتراوحُ الكذبُ في تجديدِ دماءِ الدعوةِ إلى الإسلامِ، أو ترويجِ نسخةٍ بعينها هي من بنات خيالٍ مريضٍ، بين عددٍ من الآلياتِ التي باتت مكشوفةً لكل ذاتِ عقلٍ ولكلِّ ذي تمييز، وهي:

  1. الكذبُ الصراح الذي يكشفُه البحثُ السريع على جوجل، مثل الادعاء أنَّ شركةً سويسريّةً تصنِّعُ علاجاً من أبوالِ الإبل لعلاج السرطان والسكري وأمراض الكبد وغيرها، حتى إذا بحثنا عنها وجدناها مركزاً للدراسات النوويّة، وعلمنا بعد التحرّي أن دراسات أبوال الإبل وعلاقتها بعلاج السرطان ما زالت في مرحلة الدراسة المختبريّة (in vitro)، وأنها لم تصل بعد إلى مرحلة ( in vivo)، أي التجريب على الحيوان، الذي يجب أن يستمر، حسب تشريعات الدواء العالميّة، مدة عشر سنوات قبل تطبيقها على الإنسان. وهذا يعني أن “العلامةَ” الذي شتمنا، يكذبُ علينا.
  2. الادعاء ببحوثٍ أجراها علماء غربيّون ملاحدة على طيور أو سواها، فلما أدهشتهم النتيجة أسلموا! ومن الجدير بالذكر أن الدعاةَ يغفلون دائماً أسماء العلماء، ومراكز البحوث المزعومة، والمصادر التي تروي قصص بحوثهم وإسلامهم. من ذلك مثلاً قصة اللقالق التي وضع العالم مجهولُ الاسم تحتها بيض دجاج، فلما فقّست، وتبيّن لقبيلة اللقالق أن الفراخ من نوعٍ مختلف، هجمت على الأنثى تعاقبها لأنها تعتقد أنها “زانية”!! فأسلم العالِم!! وهنا لا بدّ من أن يصيحَ المستمعون وهم على أرائك مذهّبة، بملء أفواههم: تكبييير!! إذ ما علاقة عالمٍ ملحدٍ في ديار المسيحيّة بالإسلام؟ لمَ لا يؤمن بالمسيحيّة مثلاً التي تحرم “الزنا”؟
  3. تأليفُ معلوماتٍ ونسبتُها إلى العلم، لتبرير عادةٍ مجتمعيّةٍ أو مفهومٍ مغلوطٍ عن الإنسان أو الحيوان أو الأشياء؛ فمثلاً، أحد الدعاةِ يزعم أن المرأة لا يجب أن تسوق السيارة، لأن سياقة السيارة تضغط على المبايض فتمنعها من الإنجاب!! وأن هذا هو سبب قلة الإنجاب في الغرب! أو مثل ادعاء زغلول النجار أن حجاب المرأة إنما لحمايتها من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. وهنا قفز طلبةُ المغرب يسألون: ولم لا تتحجب حضرتك؟
  4. لا يختلفُ دعاةُ الفضائيات، غالباً، في تحقير المرأة وتشييئها وتلخيصها كموضوعةٍ جنسيّة واختراعِ خصائصَ لها باسم العلم، للتأكيد على دونيّتها، وتعزيز إذلالها باسم الدين أيضاً.
  5. يقوم خطابُ الدعاة، غالباً، على تبرير العنفِ والدعوة إليه بصيغٍ شتى، ومنها الدعوة إلى الجهاد وقتلِ غير المسلمين وانتهاك أعراف السلم الدوليّة.

والخلاصةُ، أنه لا يجوز أن نطلقَ اسم عالمٍ على شخصٍ صعد منبراً أو تربّع على شاشةٍ، وفاضَ في الحديث عن الدين، بينما أكاذيبُه تزكم أنوفَ المتعلّمين والمتعلّمات. وإنه لمن العارِ أن تكونَ مهندساً أو طبيباً أو أستاذاً جامعيّاً أو صيلانياً (رجاء إلحاق التاء المربوطة بالمهن السابقة) ولا تُخضِع ما تسمعه لأبسط أشكال الفحص. وإنه لمن العار أيضاً أن تسميّ من كشفَ لك حقيقةَ هذه الادعاءات، ملحداً وكافراً، مما يعني هدرَ دمٍ في العرف السلفي والاخواني السائد.
ومع ذلك، ولأن النور لا يمكن تغطيته بهذه القصص المثقوبة المتهالكة، فإننا لن نفقد الأمل..!

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الحاج توفيق : القطاع الخاص الأردني جاهز للمشاركة بإعادة إعمار سوريا

الاول نيوز – أكد مجلس إدارة غرفة تجارة عمان أن القطاع الخاص الأردني معني بمساعدة …