التيارات السياسية وانعكاساتها في صناديق الاقتراع

علي البطران –
 
في كل دول العالم الديمقراطي، هنالك عدة طرق لقياس مدى قوة التيارات والأحزاب السياسية في البلاد، لعل من أبرزها وأكثرها دقة، نتائج هذه التيارات والأحزاب كما تعكسها صناديق الاقتراع، وأيضا مدى حضورها وحضور قضاياها وجمهورها في التجمعات العامة والحوار الوطني العام، والأهم مدى تأثير أفكارها وبرامجها وانعكاسها على التشريعات في البلاد، من خلال قدرتها على الحشد سواء على صعيد الجماهير الشعبية، أو على مستوى النخب وصانعي القرار.
في الأردن والدول “شبه الديمقراطية” التي تشبهه، يختلف الوضع قليلا، حيث يخضع قياس قوة التيارات والأحزاب السياسية لعدة معايير تكاد تكون شبه غائبة في الديمقراطيات الراسخة، تبرز من هذه المعايير مثلا التطور غير الطبيعي لهذه التيارات والأحزاب، نتيجة فترة الأحكام العرفية الطويلة، وانعكاساتها وآثارها التي مازالت تحكم حتى هذه الأيام، بالرغم من أنه قد مضى ما يقارب الثلاثة عقود على إنهاء فترة الأحكام العرفية!
وأيضا عدم أخذ الديمقراطية على محمل الجد، بالرغم من “الكلام الكثير” حولها وعنها، مما يقلل من أهمية التنظيم لدى الفكر الجمعي الاردني، وبخاصة من لديهم طموحات بتولي المسؤولية العامة، كون الإنتساب “لحزب أو تنظيم” يعيق – على الأغلب – هذا الطموح، بدلا من ان يكون الوسيلة الوحيدة لتولي هذه المسؤولية! ولكن، وعلى الرغم من كل ما سبق، تبقى صناديق الإقتراع هي المعيار الأبرز لقياس مدى تمثيل أية قوة سياسية أو تيار سياسي للمواطنين.
بنظرة سريعة على نتائج ومخرجات الصناديق في العقدين الأخيرين تحديدا، نستطيع أن نميز بوضوح ستة تيارات سياسية عريضة، منها المنظم، ومنها المنقسم على ذاته، ومنها الهلامي الذي لم ينتظم بعد لانتفاء ضرورة التنظيم – من وجهة نظر هذا التيار على الأقل -.
يبرز هنا وبقوة وفي المقدمة دائما “التيار المحافظ” المتحالف مع العشائرية السياسية والمال الإنتخابي الاسود، حيث يتصدر دائما هذا التيار نتائج صناديق الاقتراع، وبأقل جهد ممكن، يساعده بذلك النظم الإنتخابية السائدة، التي تعتمد الدوائر الصغيرة نسبيا ذات الكثافة السكانية القليلة، وأيضا عدم الاكتراث بالاقتراع في المناطق خارج السطوة العشائرية.
يأتي تيار “الإسلاميين” وبخاصة الإخوان المسلمين، كرقم صعب شعبيا كلما قرروا المشاركة بأية انتخابات، سواء نيابية أو بلدية أو طلابية أو نقابية ومؤخرا مجالس الحكم المحلي  (مجالس المحافظات والمجالس المحلية المستحدثة حديثا)، كنتيجة طبيعية لتنظيمهم واستغلالهم الأمثل إنتخابيا لمؤسساتهم الكثيرة ولميل الأردنيين للتدين.
تيار المعارضة التقليدية “القوميون واليساريون”، والذي يعاني كثيرا إنتخابيا وشعبيا من انقسامه على نفسه، ومن ظروف الإقليم التي تنعكس سلبا على مزاج الأردنيين تجاه هذا التيار، إضافة إلى اكتفاء ورضى رموزه ونخبه بالوضع الراهن لهذا التيار، وعدم الجدية بإصلاحه ومحاولة توحيد جهوده المبعثرة، كل هذا ينعكس جليا على محاولاته الخجولة بالمشاركة في الاستحقاقات الإنتخابية، وبالتالي بمواقع صنع القرار.
التيار الرابع والذي أستطيع تسميته مجازا “التيار الوطني الاردني”، والذي يرتكز إلى “فكر” قلة قليلة من رموزه ونخبه على رأسها الراحل ناهض حتر، والذي حاول أكثر من مرة “تأطير” هذا التيار دون جدوى! ويتميز هذا التيار بالإضافة إلى تشتته وغياب تنظيم يجمعه، بعدم وجود فكر معين ينحاز له باستثناء المطالبة الدائمة “بدسترة قرار فك الإرتباط” الشهير، وبحضوره القوي على وسائل التواصل الاجتماعي، وبمقاطعته -غالباً- للانتخابات باستثناء محاولته الوحيدة كتيار من خلال قائمة “أبناء الحراثين” في إنتخابات مجلس النواب السابع عشر!
تيار “الحقوق المنقوصة”، والذي يظهر غالباً في المواسم الإنتخابية، ويركز جل اهتماماته على ما يسميه “تهميش المواطنين من أصل فلسطيني”، ويقتات إنتخابيا على وتر هذه المقولة!
برز أخيرا، ومع بدايات هذا العقد، وتحديدا ما بعد إنتخابات مجلس النواب السادس عشر عام 2010، محاولات جدية لتوحيد تيار عريض وواسع يضم في صفوفه المؤمنين بفكرة “الدولة المدنية الديمقراطية”، هذا التيار تحديدا برز بشكل ملفت جدا من خلال قائمة ” معا” التي خاضت تجربة مميزة في الإنتخابات النيابية لمجلس النواب الثامن عشر أسفرت عن حصول هذه القائمة على مقعدين في دائرة عمان الثالثة.
التنافس الإنتخابي على المدى المنظور، لن يخرج عن هذه التيارات السياسية الستة، وإن كان في كل موسم إنتخابي تتخذ هذه التيارات السياسية نفسها العديد من الأسماء والمسميات كقوائم وكتل وأفراد!
وسنأتي لاحقا بمزيد من التفصيل لهذه التيارات السياسية.

  • مدير مركز عمون للتنمية والتدريب

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

تأخرنا كثيرا دولة الرئيس!

أسامة الرنتيسي – الأول نيوز – حاشا لله أن يكون هدفنا وضع العصي في دواليب …