السياسة… والتكفير

علي البطران-
 
جاحد ومنكر من لا يقر بأن جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي “حزب جبهة العمل الاسلامي”، هم الجهة الاكثر تنظيما اجتماعيا وشعبيا وحتى سياسيا، وذلك لأسباب كثيرة جدا ليس هنا مجال استعراضها (وكلها اسباب دنيوية بحتة، لا يوجد بينها أي وعد الهي)!
كما انه جاحد ومنكر ويجادل بالمحسوس من لا يقر بأن هذه الجماعة لديها الكثير من الخصوم السياسيين، حتى لو انهم – أو غالبيتهم – لم يتأطروا بعد بإطار سياسي يحمل مشروعهم السياسي، وهذه بالذات مصيبة كبرى للسياسة في الاردن، ومصيبة اكبر على حالة الحريات العامة في البلاد، وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمواطنين.
المتتبع لمسار جماعة الاخوان المسلمين في غالبية الدول العربية والاسلامية التي تعمل بها، يلمس تغييرات جذرية حصلت في فكر واسلوب ممارسة هذه الجماعة لعملها السياسي، في المغرب والجزائر وتونس والسودان واليمن ولبنان وسوريا والعراق والكويت وحتى في فلسطين المحتلة (حركة حماس)، قام الاخوان المسلمون بمراجعات فكرية وعقائدية مست صلب وجوهر ما كانوا ينادون به على مدار ما يقارب قرن من الزمان! لدرجة ان الكثير من انصارهم اتهمومهم بـ “الانقلاب على الذات”! ويمكن لكل متتبع او حتى للمتابع العادي ان يرى كيف ان “الاخوان” في تركيا وتونس مثلا يؤمنون ويشاركون باللعبة السياسية على أساس “الدولة العلمانية” وينبذون حتى الادانة “الدولة الدينية”!.
“الاخوان” في الاردن ومصر تحديدا، مازالوا عصيين على التغيير في الجوهر، بالرغم من الاختلاف الطفيف الذي حصل على تكتيكهم السياسي، والمتمثل بفكرة “التحالف الوطني للاصلاح” في الاردن، وأيضا “الجبهة الوطنية لإنقاذ مصر”. هذا الاختلاف في التكتيك، لم يؤثر ابدا على الاداء السياسي لهم في البلدين والقائم على الاعتقاد بأنهم “الفرقة الناجية” التي تمتلك “الحقيقة المطلقة”، وهو ما يرتد سلوكا عنيفا (لفظي على الاغلب في الاردن) عند أنصار هذه “الجماعة” كرد فعل على أدنى انتقاد لأداءها السياسي او الفكري!
حينما يتقلد أي عضو في “الجماعة” لأي منصب عام، فهو كغيره من المسؤولين، سيصبح شخصية عامة، وستسلط الاضواء على أدائه، خاصة انه كما ذكرت سابقا، أن “الجماعة” لديها الكثير من الخصوم السياسيين الذين يتربصون لأقل الاخطاء (وهذا التربص من حقهم السياسي)، والاهم ان الاداء السياسي هو عمل دنيوي بحت، لا علاقة له بالمعتقد الديني لهذا المسؤول أو ذاك، فقد يخطىء المسؤول أو يصيب – حسب اجتهاده الشخصي – بغض النظر عن مدى ايمانه من عدمه.
الخطير جدا في الموضوع، والذي انتظر كغيري ممن يتابعون ويشغلهم الهم العام، موقفا واضحا لا لبس فيه من قبل “الجماعة”، بأن العمل العام هو عمل دنيوي بحت، وهو قابل للانتقاد وحتى للخصومة.. وأن الله ليس طرفا سياسيا، ولا يقف الى جانب طرف سياسي على حساب طرف او أطراف أخرى! من هنا، ومن هذا المبدأ، نستطيع البدء بحياة سياسية صحية وسليمة. أما ان يحتكر طرف سياسي “تمثيل الله” فلا سياسة هنا ولا حياة سياسية!
شكل انتخاب المهندس علي ابو السكر رئيسا لبلدية الزرقاء، حدثا مهما على مستوى البلاد، لما لهذه المدينة من خصوصية تتكرر في كل موسم انتخابي، ويزيد من أهمية هذا الحدث الشحن الانتخابي الذي حصل خلال فترة الحملات الانتخابية في البلدية الاضخم على مستوى المملكة (باعتبار ان العاصمة لم ترق بعد لمستوى البلدية، وتعامل بخصوصية قانونية).
كان من أول ما قام به المهندس ابو السكر، قيامه (وبالتعاون مع الامن العام! وجمعيات اهلية تتبع للجماعة)، بتعليق 100 لوحة تحمل أسماء الله الحسنى على أعمدة الكهرباء في المدينة. لغاية الان هو حر في أدائه، فمن سيحاسبه هم ناخبي بلدية الزرقاء، ومن سيحاسب “الجماعة” على أدائها في قيادة البلديات التي فازوا بها او شاركوا في قيادتها هم المواطنون الاردنيون.
انتقد الكثيرون ترتيب اولويات العمل لدى قيادة بلدية الزرقاء “الاخوانية”، وهو مرة اخرى عمل دنيوي بحت، لتقوم الدنيا عليهم وتصل الامور الى حد “تهديدهم بالقتل” وتذكيرهم بمصير الراحل “ناهض حتر” وهو ودون اي تجميل للواقع “القتل بدون محاكمة”!!
هنا بالذات يأتي “التشوش” الواضح لدى غالبية جمهور “الجماعة”، والخلط المتعمد بين ما هو شأن ديني وما هو شأن دنيوي سياسي بحت، هذا التشويش الذي من واجب “الجماعة” الوطني تبيانه وشرحه لجمهورها المنفعل! وهنا تبرز أسئلة مهمة في هذا السياق لقادة الجماعة: هل المهندس علي ابو السكر هو شخص “معصوم” لا يأتيه الباطل؟ هل أداء وأولويات قادة “الجماعة” ممن يتبوأون مناصب عامة تنبع من “الوحي المقدس” غير القابل للنقد؟ هل يكون جزاء انتقاد أدائهم في مناصبهم “التهديد بالقتل”؟ والعديد العديد من الاسئلة التي لا يتسع مجال هذا المقال لطرحها.
المطلوب من الدولة ملاحقة جماعات “التكفير السياسي” ومحاكمتهم، والمطلوب ممن يتعرض للتهديد الاحتكام للقانون، حتى يسود القانون على الجميع ويستمر الوطن بالنمو بجهود كافة أبنائه بدون اقصاء او تهميش، والمطلوب من المجتمع التضامن مع من يتعرضون للتهديدات بسبب ارائهم، حتى وان اختلفنا مع هذه الاراء أو مع شخوص من يمتلكون هذه الاراء!
 

  • مدير مركز عمون للتنمية والتدريب

 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

تأخرنا كثيرا دولة الرئيس!

أسامة الرنتيسي – الأول نيوز – حاشا لله أن يكون هدفنا وضع العصي في دواليب …