مصر – فتحي خطاب –
تصوروا .. الرجل الكبير (جمال عبد الناصر) كان وراء انفجار ثورة 25 يناير 2011 ؟! ليس بالطبع بسبب الغياب المطلق للعدالة الاجتماعية التي حققها على أرض مصر، بعد عشرات السنوات من التمييز الطبقي وتوحش دور الوساطة والمحسوبية ..
وليس بسبب حالة الوجع الشعبي من انكسار وتراجع وترهل دور مصر الرائد والقيادي، وكان الدور مرتبطا بدور الزعيم الذي أعطى أمته يقينا متجددا بأنها موجودة، وأعطى لهذا اليقين المتجدد بالوجود حركته التاريخية .. وليس بسبب الاحساس الشعبي بمرارة وقسوة غياب (زعيم الغلابة) وهم السواد الأعظم من شعب مصر، فرفعوا صوره في ميدان التحرير مع اللحظات الأولى من زمن الثورة الشعبية .. ولكن .. السبب من وجهة نظر السيد عمرو موسى، أن سياسات عبد الناصر الفاشلة أدت بالتراكم إلى انفجار الغضب الشعبي والثورة، و« كانت هزيمة ٥ يونيو/ حزيران 1967 (بعد نصف قرن تقريبا) كاشفة عن خلل كبير فى إدارة الدولة وبداية طريق طويل انتهى بثورة ٢٥ يناير ٢٠١١!! »
السيد عمرو موسى، تطاول كثيرا وطويلا، على تاريخ الزعيم العربي الاستثنائي، ولا أعرف لماذا وكيف ولمصلحة من ؟! لأنه اقترب من جوانب شخصية ، نعرفها جميعا عن عبد الناصر، الذي رحل عن عالمنا ولا يملك مجرد شقة سكنية للإقامة، وفي منزله 60 جنيها مصريا فقط لا غير، ونعرف أنه كان يفضل أكل الجبنة والعيش والخيار .. ولكن السيد موسى يقول في مذكراته التي صدرت قبل يومين في كتاب بعنوان «كتابيّة»: إن ناصر كان يستورد طعامه من سويسرا !!
ولم تقتصر خيالات موسى عند هذا الحد، بل حاول أن يشوه تاريخ الرجل الكبير بشكل كامل، وتقريبًا لم يترك عملًا واحدًا قام به عبد الناصر إلا ونسفه من أساسه بدءا من «السياسة الداخلية لعبدالناصر وآثارها الخاصة بالتعليم، وكنت أسمع أصواتًا كثيرة تحتج على عشوائية السياسة التعليمية وتغيير مناهج التاريخ واختيار وزير من الضباط الأحرار لوزارة التعليم أو غيره !!» .. وبالطبع يغيب عن وعي السيد موسى، أن عباقرة مصر في العالم ، من أمريكا إالى المانيا، وبريطانيا، وجميعهم أسماء لامعة علميا، تخرجوا في زمن عبد الناصر، وربما لم يسمع موسى كلمات عالم نوبل الراحل الدكتور أحمد زويل، في ندوة موسعة بدار الأوبرا المصرية، قائلا: «تعلمت أحسن تعليم في عهد عبد الناصر».
طبقًا لما قاله عمرو فى مذكراته، كانت تجربة عبدالناصر كلها فاشلة.
«وأن الذى يجعل الكارثة تصل إلى هذا الحجم في 5 يونيو/ حزيران 1967 هو أننا بالتأكيد لم نكن مستعدين، وإن القرار السياسى الذى أدى إلى الحرب كان بالقطع خاطئًا، وحساباته غير دقيقة، وتوقعاته غير سليمة، تكاد تصل إلى حد المقامرة، ولم يكن يصح أن نعرض بلدنا لهذا التحدى المدمر » .. حاول عمرو موسى إظهار عبدالناصر ونظامه ليس بالقائد الذى لم يأخذ القرار السياسى الصحيح فيما يخص الحرب، ولكن أظهره على أنه كان مهملًا وغير مبالٍ للخطر الذى تتعرض له مصر !!
ويقول موسى ، إنه لم يكن ينصت إلى الانتقادات التى توجه لعبدالناصر ونظامه، مثل تراجع الإنتاجية الزراعية، بعد تفتت الرقعة الزراعية على صغار الفلاحين فى الإصلاح الزراعى، وتشويه بعض الحقب التاريخية لحساب أخرى، والشكاوى المرتبطة بإدارة الدولة وتراجع أهل الخبرة كثيرًا، وكانت هناك حالة من الاستياء لتغول من أطلق عليهم أهل الثقة..
انتقل عمرو من مرحلة عدم التصديق إلى الإدانة، فقد «اعتبر الرئيس عبد الناصر أنه أكبر من مصر، أم اختلط عليه الأمر فاختصر مصر فى شخصه، ما هو جيد له جيد لمصر، وربما ليس العكس؟ ».
ويشكك عمرو موسى فى مظاهرات الشعب المصرى التى طالبت عبدالناصر بعدم التنحى، ويعلق موسى على ذلك بقوله: مظاهرات «لا تتنح» كان فيها ترتيب ما، لكن الجمهور كان أيضًا رافضًا رحيل عبدالناصر ـ استدرك بالطبع ما قاله، لأنه يعلم أن وصف مظاهرات التنحى بالتمثيلية أو المسرحية أو الترتيب سيجر عليه أزمات كثيرة، فجعل لنفسه خط رجعة ـ وأستطيع أن أقول « إن استمرار الرئيس فى منصبه لم يترجم إلى عملية شاملة لإنقاذ مصر، ولا إلى علاج الأسباب التى أدت إلى الهزيمة» !! وتناسى موسى، المرحلة الشاقة التي تحمّلها الرجل الكبير لإعادة بناء القوات المسلحة، وبدء حرب الاستنزاف التي مهدت وأعدت الجيش المصري لحرب 73
هل تريدون ما هو أكثر.. لقد تطاول طويلا وكثيرا على تاريخ الرمز في تاريخ الأمة .. لماذا ولمصلحة من ؟! في الحقيقة لا أعرف .. ربما لأنه تربى في «حاضنة وفدية» كما يقول في مذكراته، وحزب الوفد بالطبع من ألد أعداء ثورة 23 يوليو1952 .. وربما لأن توجهات وأفكار موسى تتعارض تماما مع أفكار ورؤية وكبرياء زعيم عربي .. مثلا كان موسى، وعكس ما كان يتم ترويجه، وحتى لو على وزن أغنية شعبان عبد الرحيم «بأحب عمرو موسى .. وباكره إسرائيل » فالرجل يقول في مذكرته «كان هناك توارد في الخواطر مع الرئيس السادات لفتح الأبواب مع إسرائيل بالتفاوض والحوار » وهو من مؤيدي كامب ديفيد التي استقال بسببها أبرز وزيري خارجية لمصر «اسماعيل فهمي، ومحمد ابراهيم كامل» والأخير يتهمه موسى بأنه «جمده في وزارة الخارجية»..واستقال أيصا محمد رياض، وزير الدولة للشؤون الخارجية.
السيد عمرو موسى، وكان وزيرا لخارجية مصر، وأمينا عاما لجامعة الدول العربية، ربما كان يعلم بموجب تقارير محلية ودولية، أن الاقتصاد المصري على الرغم من نكسة 67 تحمّل تكاليف إتمام بناء مشروع السد العالي الذي اختارته الأمم المتحدة عام 2000 كأعظم مشروع هندسى وتنموى فى القرن العشرين والذى يعادل فى بناؤه 17 هرم من طراز هرم خوفو .. وتم بناء مجمع مصانع الألمونيوم فى نجع حمادي وهو مشروع عملاق بلغت تكلفته ما يقرب من 3 مليار جنيه.. واستطاعت مصر فى ظل نكسة 67 أن تحافظ على نسبة النمو الإقتصادى كما كان قبل النكسة بل أن هذه النسبة زادت فى عامى 1969 و 1970 وبلغت نحو 6،7 % سنويا، بحسب تقرير البتك الدولي.. و استطاع الاقتصاد المصري عام 1969 أن يحقق زيادة في فائض الميزان التجاري لأول وأخر مرة فى تاريخ مصر بفائض قدرها 46.9 مليون جنية بأسعار ذلك الزمان.. و كانت المحلات المصرية تعرض وتبيع منتجات مصرية من مأكولات وملابس وأثاث وأجهزة كهربية، وكان الرئيس عبد الناصر يفخر أنه يرتدي بدل وقمصان غزل المحلة ويستخدم الأجهزة الكهربائية المصرية « إيديال».. و توفى الرئيس عبد الناصر واقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية، ولدى مصر فائض من العملة الصعبة تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار بشهادة البنك الدولى .. وبلغ ثمن القطاع العام الذى بناه المصريون فى عهد عبد الناصر بتقديرات البنك الدولى 1400 مليار دولار .. و أنشأت مصر أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث حيث بلغت عدد المصانع التى أنشأت فى عهد عبد الناصر 1200 مصنع منها مصانع صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية
الطريف ..أن السيد موسى، أثناء ترشحه لرئاسة الجمهورية، في العام 2012 سأله أحد الزملاء عن ميوله الوفدية ، وهي ميول رأسمالية لا تتناسب مع طموحات الشعب الذي ثار على ملكية مبارك وعائلته.. فقال موسى، «والدي كان وفديا، وأنا ناصري »!! كان الرجل بالطبع يبحث عن أصوات الأغلبية في مصر .. أما الآن فهناك مؤثرات بالصوت والضوء، ولولا خشيتي أن أدوس على أقدام آخرين، لقلت صراحة: لمصلحة من محاولة اغتيال تاريخ زعيم استثنائي، فشل كثيرون، غير موسى وأعلى منه شأنا، ومنذ الرحيل قبل 46 عاما، أن ينالوا من قامة الرجل الكبير وهو في رحاب الله.
مرة أحرى، كيف ولماذا ولمصلحة من ؟! والإجابة تحملها مقولة الفيسلوف العظيم سقراط « إن الألهة عندما تغضب على أحد، لا تنتقم منه، ولكن تكلفه هو أن ينتقم من نفسه، ويسيىء لنفسه»!! وقد فعلها موسى، ربما دون أن يدري !!
الوسومالأول نيوز جمال عبدالناصر عمرو موسى فتحي خطاب مصر
شاهد أيضاً
سوريا تضبط 100 ألف حبة كبتاغون كانت معدّة للتهريب إلى الأردن
الأول نيوز – تمكنت إدارة مكافحة المخدرات السورية من ضبط 100 ألف حبة كبتاغون على …