17 ألف عاطل عن العمل في ‘‘التخصصات الطبية‘‘

الاول نيوز – لم يشك مهند، خريج الطب، لحظة واحدة أنه لن يجد عملا بعد تخرجه من الجامعة، لكنه اليوم وبعد مرور ثلاثة أعوام على تخرجه، ما يزال يحاول طرق الأبواب من أجل الحصول على فرصة عمل في مجال تخصصه.
يقول مهند  “لم يخطر ببالي أبدا أثناء اختياري لتخصصي، أن أسأل عن مدى اكتفاء السوق منه أم لا، والدي وأعمامي وأبناؤهم كلهم خريجو طب، فكان من البديهي، والمرسوم لي منذ كنت طفلا، أن أكون طبيبا”.
وفور تخرجه، بدأ مهند مهمة البحث عن عمل، وبعد ستة أشهر التحق بالعمل في عيادة خاصة، أملا في الحصول على خبرة تدعم مسيرته المهنية، لكنه فوجئ بأن الطبيب صاحب العيادة يقول له إنه “ستعمل بلا مقابل في الفترة الأولى”، والتي كان من المفترض أن تستمر ستة أشهر. لكن مهند لم يقبل بهذا الوضع، وعاد مجددا يبحث عن مكان آخر للعمل فيه.
أما التجربة الثانية لمهند فكانت أيضا في عيادة، بعد أن بقي في المنزل بلا عمل لمدة عام وأربعة أشهر، وهنا قرر القبول بالعمل رغم الراتب الضئيل الذي لم يتعد 300 دينار، مقابل الدوام لمدة أربع عشرة ساعة يوميا، وبمهام لا تندرج جميعها ضمن عمله كطبيب، ليقرر ترك العمل بعد أقل من شهر، ولم يجد عملا حتى اليوم.
ولا تنحصر البطالة في المهن الصحية على الأطباء فقط، بل تشمل كافة مجالات القطاع الصحي، حيث تشير دراسة جديدة لم تنشر بعد، أعدها رئيس بيت العمال الأمين العام السابق لوزارة العمل حمادة أبو نجمة وحملت عنوان “فرص العمل في القطاع الصحي”، إلى أن عدد المتعطلين عن العمل في القطاع الصحي عام 2015 تقدر بحوالي (16,800).
وأشارت الدراسة إلى أن نتائج ديوان الخدمة المدنية تؤكد أن “عدد المتقدمين لوظائف القطاع الصحي في نهاية العام نفسه بلغ حوالي (25,956)، منهم (7,522) ذكور، و(18,434) إناث”.
وبلغ عدد العاملين في المهن الصحية، 60.614، منهم 60 % في القطاع الخاص، حيث اعتبر هذا القطاع من القطاعات التي تشغل نسبة عالية نسبيا من الإناث اللواتي تبلغ نسبتهن 50 %، فيما تتوزع مهن العاملين في القطاع على 38% أطباء، و19 % ممرضون، و17 % صيادلة، والبقية قابلات قانونيات ومساعدو ممرض وعاملات تمريض وممرض مشارك.
ويبلغ عدد منشآت القطاع الصحي (5) آلاف (مستشفيات وعيادات، وعيادات طب أسنان، ومؤسسات رعاية ذوي الإعاقة وأنشطة صحية أخرى)، معظمها في عمان وبنسبة 64.6 %.
وفي وقت بلغ فيه عدد المتعطلين في التخصصات الصحية 16.800، وصل عدد المتقدمين بطلبات لديوان الخدمة المدنية من هذه التخصصات حوالي 26 ألفا منهم 71 % إناث، وجزء منهم مشترك في الضمان الاجتماعي، أي أنهم يطمحون بوظائف حكومية رغم أنهم يعملون في القطاع الخاص، سعيا للحصول على وظائف أكثر استقرارا وأفضل دخلا مما يوفره القطاع الخاص.
وعزت الدراسة ارتفاع نسبة طلبات الإناث، إلى “ارتفاع أعداد المنتظمات بالمؤسسات التعليمية والخريجات منها، في هذا القطاع، مقارنة بالذكور”.
وأشارت نتائج وزارة التعليم العالي للعام 2014/ 2015 إلى أن نسبة الإناث الملتحقات ببرامج التعليم الصحي في الجامعات بلغ (64.6%) مقارنة
بـ(35.4 %) للذكور فقط، كما أشارت إلى أن نسبة الخريجات في هذا القطاع بلغت (68.5 %) مقارنة بـ(31.5 %) للذكور.
وفيما يخص الإناث، تروي الصيدلانية لينا تجربتها في الحصول على فرصة عمل، حيث تقول إنها بقيت سنتين بلا عمل، ثم لتعمل أخيرا في مستودع أدوية براتب جيد نوعا ما، بعد أن بقيت لمدة ثمانية أشهر تتقاضى راتبا لا يزيد على 280 دينارا، بحجة أنها “خاضعة لفترة تجربة”.
وبعد عامين من العمل، تزوجت لينا ورزقت بطفلة، لتقرر بعد ستة أشهر من الإنجاب ترك العمل، رغم حاجتها له، مبررة ذلك بـ”طول ساعاته التي تبدأ من الثامنة صباحا حتى السادسة مساء، ولا توجد حضانة في مكان العمل”، ناهيك عن ضغط العمل الشديد الذي اعتبرته لا يتوافق مع مسؤولياتها الاجتماعية.
وأشارت دراسة أبو نجمة إلى أنه “في الوقت الذي بلغت فيه تقديرات العمالة المطلوبة في القطاع عن الأعوام 2015 – 2017 أقل من 10 آلاف فرصة عمل، إلا أن أعداد الخريجين في التخصصات الصحية ما تزال في تزايد، حيث وصلت الفجوة المقدرة بين العرض والطلب عام 2017 إلى أكثر من 40 ألف خريج يمثلون العدد التراكمي للخريجين بلا فرص عمل”.
وفسر أبو نجمة لـ”الغد” عدم وجود توافق بين مخرجات التعليم في القطاع الصحي وحاجات سوق العمل، وخصوصاً في القطاع الخاص، بـ”طغيان سياسة التوسع في إنشاء كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة في الجامعات الأردنية، التي تخرج أعدادا تفوق كثيرا حاجات سوق العمل، في ظل وجود تخصصات ترتفع فيها نسبة البطالة، وخصوصاً للإناث، وهي تخصصات الصيدلة والمختبرات والتمريض، بينما تزداد الحاجة أكثر إلى أطباء الاختصاص في عدد من التخصصات، والقابلات القانونيات، والمهن الفنية الصحية المساندة”.
وبين أن “انخفاض الأجور في المهن الطبية المساندة كالتمريض والصيدلة والأشعة والمختبرات، خصوصاً في القطاع الخاص، يعد سببا رئيسيا لإحجام الخريجين عن العمل في هذه التخصصات وارتفاع نسبة المتعطلين والمتعطلات عن العمل فيها، يضاف إلى ذلك أيضا وجود فجوة في الأجور في هذه التخصصات بين الجنسين لنفس العمل، مما يزيد في نسبة الإناث المتعطلات مقارنة بالذكور”.
كما يعتبر عدم التوافق بين أماكن توفر فرص العمل ومناطق إقامة القوى العاملة، وخصوصاً في إقليمي الجنوب والشمال، عائقا حقيقيا أمام الخريجين من أبناء وبنات هذه المناطق، خاصة في ظل “عدم كفاءة نظام النقل بين المحافظات والنقل الداخلي وارتفاع تكاليف المواصلات”.
وكان عدد من الأطباء العاطلين عن العمل اعتصموا العام الماضي أمام مجمع النقابات المهنية، وسلموا مذكرة لنقابة الأطباء طالبوا فيها بأن “يتم تعيين الطبيب من خلال حفظ نقاطه في ديوان الخدمة المدنية، وأن لا يتنافس إلا مع الخريجين من نفس دفعته، وأن يتم التعيين على مبدأ الأقدمية من تاريخ التخرج”.
وفي تصريح سابق لـ”الغد”، أكد نقيب الأطباء السابق الدكتور أحمد العرموطي أن “بطالة الأطباء هي بطالة ظاهرة ومقنعة” مبينا أن البطالة الظاهرة، هي التي يشكو منها الاطباء الذين “لا يجدون فرصة عمل ثابتة وبدخل ثابت، وبعضهم مضى على تخرجه أكثر من ثلاثة أعوام، أما البطالة المقنعة فتنتشر بين الأطباء الذين يعملون في عيادات خاصة بهم، أو لدى مراكز طبية، ولكن مداخيلهم الشهرية لا تكاد تكفي متطلبات حياتهم اليومية ومصاريف عياداتهم”.
ولفت العرموطي إلى أن من أهم أسباب هذه البطالة هو “سوء توزيع الأطباء بين القطاعات الطبية، وزيادة الإقبال على دراسة الطب في كل بقاع الأرض، ورغبة الجميع منهم بالعمل داخل وطنهم”.
وشدد على أن “تنظيم القطاع الصحي وإعادة هيكلته من قبل الوزارة، انتهاء بالجامعات والخدمات الطبية، أصبح ضرورة ملحة لوضع النقاط على الحروف، وإزالة كل التشوهات التي لحقت به”.
من جهته قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، إن “رغبة العاملين في المهن الصحية تتجه للعمل في القطاع العام، بسبب توفر شروط أفضل من القطاع الخاص، خاصة بالنسبة للعاملين بأجر في المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية، ما يعني ضرورة فرض المزيد من الرقابة والتفتيش على القطاع الخاص لتحسين ظروف عمل العاملين فيه”.
ويرجع عوض، في حديثه لـ”الغد”، تفشي البطالة في قطاع المهن الطبية، إلى “وجود بطالة بنسب مرتفعة في كل القطاعات في الأردن، خاصة بين الخريجين الجدد”، مبينا أنه “وعلى غرار المهن الأخرى، لا يوجد في قطاع المهن الصحية إرشاد، سواء قبل اختيار التخصص أو بعد التخرج، عن حاجات السوق التي تضعهم أمام صورة حقيقية تمكنهم من اختيار التخصص الأنسب لهم من ناحية إيجاد فرص عمل”.
وتقترح دراسة أبو نجمة لغايات تحسين أوضاع سوق العمل في القطاع الصحي، “العمل بجد على مستويات مخرجات التعليم والتدريب، وتحسين ظروف وبيئة العمل في القطاع الصحي، والتأمينات الاجتماعية والمواصلات، على أن تتولى المؤسسات الرسمية (وزارة العمل، وزارة الصحة، وزارة التعليم العالي، ديوان الخدمة المدنية) رسم سياسات فاعلة للقطاع الصحي ترتكز على بيانات العرض والطلب، ووضع خطط تشغيلية سنوية تستهدف نسبا محددة لتشغيل المتعطلين عن العمل في هذا القطاع، بالتنسيق مع القطاع الخاص، وذلك لتحقيق التوازن بين جانبي العرض والطلب على هذا القطاع، مع الأخذ بعين الإعتبار نسب المرأة في التشغيل”.
وأكدت “ضرورة مراجعة وتطوير المناهج التدريبية في القطاع الصحي، بما يتناسب مع احتياجات المنشآت الصحية، والتركيز على التدريب العملي في هذه الجوانب أكثر من الجانب النظري، وإلغاء البرامج التدريبية غير المطلوبة في سوق العمل في القطاع الصحي”.
وطالبت بتوسيع مظلة الخدمات الصحية المقدمة من وزارة الصحة والمؤسسات العامة والخاصة، لتشتمل على أطباء عامين وممرضين قانونيين في المدارس والمصانع، وتوسيع مظلة خدمات طب الأسنان في المنشآت والمراكز المناسبة.
وأكدت ضرورة “التوقف عن سياسة التوسع في إنشاء كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة في الجامعات الأردنية، وتركيز وزارتي العمل والصحة، على توفير بيئة عمل داعمة للمرأة في القطاع الصحي، كتوفير منظومة حضانات متكاملة بتكلفة منطقية، على أن تكون خدمة هذه الحضانات على مدار 24 ساعة في المنشآت التي تكون طبيعة دوامها قائم على المناوبات”.
وشددت على “ضرورة تفعيل مكاتب الشكاوى في وزارتي العمل والصحة، لتلقي شكاوى العمال، والعمل على الحل الفوري لها، وإصلاح أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية، بهدف تشجيع المرأة على العمل والبقاء فيه، وتقنين التقاعد المبكر إلى أدنى حد ممكن، وضمان المساواة في الرواتب التقاعدية بين الجنسين، واعتبار فترة الأمومة جزءاً من خدمة الأم كما لو أنها على رأس عملها”.
كما اقترحت “تشجيع قنوات العمل غير التقليدي في القطاع الصحي للنساء، كالعمل بدوام جزئي مع وضع التشريعات الناظمة له ونشر التوعية به في القطاع، والعمل على صياغة تشريع أو مبادرات تهدف إلى تأمين وسائل النقل للعاملين، وخاصة للنساء العاملات”.الغد

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

المعارضة السورية: سنعمل على حل قوات الأمن التابعة لنظام الأسد

الأول نيوز – قال قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع، والمعروف باسم أبو …