الموت الصاعق.. عزام جرار وداعا

أسامة الرنتيسي –
 
 قلبي منقبض، منذ صباح الاثنين، مودي في أسوأ حالاته، ومزاجي معكر، ولا أجد سببا لذلك، برغم محاولات أصدقاء وأحباء  إخراجي من الطاقة السلبية التي تختزن داخلي.
قبل ساعتين عرفت السبب، وبخبر صاعق عبر بوست على الفيس بوك، شاهدت صديقي ورفيقي ومحدثي شبه اليومي، المهندس المناضل عزام جرار في صورة ونعي بموت خاطف بجلطة قلبية صباح اليوم، لم تمهله كثيرا.
المهندس عزام جرار قيادي سابق في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وأحد المناضلين الذين قدموا لوطنه وشعبه الكثير، بوفاته تخسر الحركتان الوطنيتان الأردنية والفلسطينية أحد أبرز الداعمين لهما وأحد أبنائهما المخلصين.
حدثني منتقدا مقالتي الخاصة بالأحزاب وموسى المعايطة، وطلب مني مثلما كان يطلب دائما أن أبتعد عن نقد الأحزاب، لأنه “مش ناقصها…”، كنت أستمع وأرضخ له كثيرا لأنه يتحدث من باب الحرص.
كان الإنسان الغريب في قمة الأدب الذي يتمتع به، لا يجري اتصالا هاتفيا إلا عندما يستأذن إذا  كان الوقت يسمح بحديث لمدة دقيقة أو دقيقتين، ولأن حديثه عذب مثل روحه، تستمر المكالمة ربع ساعة وأكثر.
دغدغ كبريائي قبل أيام على مقالة لي عن المصالحة بين فتح وحماس، وقال لم يكتب أحد في الموضوع مثلما كتبت، والأسئلة المباشرة التي طرحتها، عن فيتو المصالحة وزلم دحلان ودور المخابرات المصرية. 
قبل ثلاثة أسابيع غابت تلفوناته عني أياما، فاتصلت معه، فرد علي بقمة الأدب والحنان، معتذرا لظرف طارئ، بسبب مرض والدته وإقامتها في المستشفى، وحرصه على أن يكون موجودا إلى جانبها، ومن عمق تعلقه بها أصر أن يسبقها الى الموت.
لم أبك حرقة على غياب صديق منذ فترة، مثلما ذرفت دموعي بغزارة على موت العزيز والجميل والهادئ والرائق والعميق والإنسان والوطني بالفطرة والمناضل الصلب المهندس عزام جرار.
ثمة ميتة رحيمة، وثمة ميتات تأتي على حين غرة، تقصف عمر الإنسان من دون استئذان، لا تحاوره، لأنها تعرف أنها مقدّرة لا يمكن ردها، هي هكذا تغشى الجسد المتعب حتى تمنع النَّفَس عنه. لا تنظر إلى أن هذا الجسد سكنه القهر والظلم، فولج صاحبه زاوية في العتمة هرباً من سياط الواقع لا خوفاً ولا تردداً، لكنها لحظة مداعبة لموت لا يقبل المزاح.
أيها الموت.. أعرف أنك لا تصوم، ولا تفرّق بين مفطر وصائم، وأعرف أنك لا تقبل المساومات حتى لو دعوناك لتجلس في صدر البيت، وعلى أنعم أريكة.. أعرف أنك لا تستجيب لنا، لكنني أتمنى أن تكون رحيماً بمن أحب الحياة، أتمنى ألا تمارس سياسة الخطف، فهي مؤلمة لقلوبنا.
أيها الموت، أعرف أنك لا يمكن أن تصاحبني لأحدّثك عن أحباب خطفتهم، ونحن نرجو لهم حياة أطول، فهم مبدعون حد الرفعة، وصعاليك في هذا الزمن الرديء.
أنت هكذا أيها الموت، لا تطرق الباب، ولا تستأذن، تفعلها برغبات لا راد لها.
ألا تقبل أن ندعوك إلى صفقة حتى لا تأتي غفلة، وإذا أمكن أن تؤخرنا قليلاً لننعم بعمرنا الذي سرق منا فواتير مدفوعة لأبناء قادمين، يحلمون بالحياة، ولحياة أصعب من قرط حجر الصوان؟
أيها الموت، ابتهج وافعل ما أنت مأمور به، لكن على رسلك قليلاً فنحن ما نزال أحياء، وإياك والغدر، فنحن عشاق الحياة، قد نمازحك، ونلهو معك إذا وافقت على ذلك، لكن تأكد أننا نعيش الحياة ليس حبا فيها فقط، بل حبا بأحباب يخطون الآن الأحرف الأولى في الحياة، فهم مشرقون ونحن نغرب.
الرفيق عزام جرار عليك الرحمة وعلينا أيضا، ولأسرتك أحر العزاء..وما بدلت تبديلا…
الدايم الله….
 
 
 
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

هل تضبط الكاميرات نظافة شوارعنا ؟!

أسامة الرنتيسي  –     الأول نيوز –  سنرفع القبعات ونقدم الشكر لمن قرر زرع …