السبت , أكتوبر 19 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

أوركسترا: أحلام محطمة يتقاسمها مجتمع العبيد (صور)

ماهر سلامة*

في عالم قلق ذاب فيه الثابت “الحب”، وسيطر عليه المتحوّل “الشهوة”، لابد أن نتوقف ملياً لنتأمل المشهد الكامل، لنعرف أين نحن كمؤثرين ومتأثرين في هذه اللوحة.

عبر ستة مشاهد قدمت المخرجة المبدعة د .مجد القصص في مسرحيتها “أوركسترا”، إستناداً على نص للكاتبة الأردنية الفذة سميحة خريس، موزاييك مكوناً من حالات نسائية ممزقة، بمواجهة ذكر ممزق مهما تبدلت أدواره لكنه واحد ضيق.

و نتساءل: هل هذه دعوة لتحرر المرأة، وما التحرر؟

في الحالات المتعددة التي قدمتها مسرحية أوركسترا نُجمع على أنّ تحطم الحُلم كان القاسم المشترك لدى كل حالات التمزقالاجتماعي هذه، لنخلص إلى نتيجة أن الحب هو إكسير الحياة لاستكمال رحلة إنسان نحو تحقيق أحلامه.

ولكن ماذا عن الذكر! هل هو بلا أحلام، أم هو مقلد وضائع في أحلام وبطولات وسباقات ليست له بل لمنافسيه؟!

مسرحية “أوركسترا” قدمت تشخيصاً واضحاً لنموذج المرأة التاريخي، الذي يَعرف دوره تماماً بلا لبس، نموذج يندغم في الحياة كمسيرة تطورية، كرؤية تشترط وجود مهمات وأولويات لتحققها. هنا تعلن مسرحية “أوركسترا” أنّ الوعي الداخلي لدى المرأة، هو نموذج برز من قدرة المرأة على الإنجاب والإنتاج وتحمل المسؤولية، وهذه شروط الحياة الفطرية التي تحقق إنسانية الكائن في وجوده منذ الأزل عندما قادته المرأة في المجتمع الأمومي.

من هنا كان فهم الذكر لدوره ملتبساً! فقد قاد المجتمع عندما انتصر على المرأة، وألحقها كتابع له وليس كشريكة حقيقية.

لقد راهن بسطحية براجماتية على أنّ غريزتها طبيعية أوتوماتيكية، وهذه الغريزة تعمل لوحدها وبتدخل طفيف منه، لذا اعتبرها آلة بشرية، وعجز عن رؤية إنسانيتها الشاملة، وبالتالي عجز عن رؤية إنسانيته هو أيضاً.

من يحوّل إنسان الى عبد، لابد أن يصيبه هذا الفيروس بالعدوى أيضاً، ليصبح عبداً وآلة بشرية، ولكن لرأس المال والمتطلبات المادية اليومية للبقاء والظهور وإثبات الوجود.

هنا سقط الذكر في التبعية لمن ينافسه ويسيطر عليه، ولمن هو أقوى مادياً، فذهب يختصر الطرق، عبر تقليد نماذج ذكورية أخرى. هنا أوقع الذكر نفسه في شرك أن يكون عبداً للآخرين، وبهذا عجز عن معرفة احتياجاته وأحلامه العميقة. هنا ذاب الحلم وذاب الحب، فلا حب بلا حُلم، وهذه هي رحلة الضياع الذكوري التي لا تتوقف، وفيها لا يبحث الرجل إلا عن إرواء لحظي وسطحي لمتطلباته اللاعميقة.

لم يفهم الذكر أنّ المرأة حينما تحمل، فهي تحمل بوعد وبحلم يحمله مولودها للحياة، لم يفهم الذكر أنه حتى “العاقر” حسب تعبير المسرحية تحمل حلماً لرجلها، لم يفهم الذكر أنّ الغانية أيضاً تحلم بوعد أنها الجنة.

تقنياً قدمت المسرحية نموذجاً سينوجرافياً رائعاً، فقد روت الإضاءة الحكاية من منظورها، كما قدمت المخرجة تصميماً حركت به فريق المسرحية كأوركسترا قدمت النص بشكل نشط كتداعيات وسيناريوهات يومية لامستنا وحيّرتنا وجرحتنا وأوجعتنا وأفرحتنا. لعل من أهم معالجات المخرجة، هو اعتناؤها الدائم بصقل شخصيات نجومها، حيث برز تمايز شخصيات العرض وتأثيرها المحسوس في كل مساحة العرض، فلم نلمس أن هناك من لم يكن له داع في العرض، فكل الأدوار جاءت مكملة عضوياً لبعضها البعض. استخدام الموسيقى والعزف كان لعبة سحرية ندر من أتقنها ووظفها بشكل انصهاري في المسرحية.

لي ملاحظة تقنية واحدة فقط، وهي كثافة وسرعة وتعجّل تقديم النص، التي أسهمت في ضياع بعض من قوته، ووضوحه، وصعّب من نطقه. كما أنّ احتلال الموقع الوسطي البعيد على الخشبة ساهم في ارتداد النص للوراء وليس للأمام حيث الجمهور، فمن الأجدر أن يتقدم صف العرض الى الأمام قليلاً ليقترب العمل إلى الناس أكثر ويحاكيهم أكثر. مشهد الغانية المتقدم على الخشبة كان واضحاً ومؤثراً وقريباً، فقد كانت الممثلة متفوقة على نفسها في هذا الدور الصعب والملتبس.

لابد من الإشارة إلى الإمكانيات الرفيعة لكل فريق العرض، وخاصة دور “الذكر” الذي أداه زيد مصطفى، الذي استطاع تعبئة وتعميم حضوره بكل ألق.

تُشكر الممثلة نهى سمارة على جهدها الصادق في تقديم نموذجها بعمق وإيمان شعوري بالغ، فإن غابت للحظة اختلّ ميزان العرض (الذي يستمر في مركز الحسين الثقافي برأس العين، بدعم أمانة عمان الكبرى، أيام١٤,١٥,١٦/١٠ الساعة السابعة مساء).

حضور بيسان خليل كان ملفتاً في الحقيقة، فهي تحركت من واقعها الغنائي وحولته إلى غنائية تمثيلية، هكذا تتكامل الموهبة،وتتجسر المعارف التواصلية. لابد من الإشارة الى الممثلة صاحبة دور مسؤولة المكان، فقد قدمت ديناميكية أدائية مميزة أيقظت العرض كلما اقترب من السكون.

نصفق كثيراً لمثابرة د.مجد القصص في تقديم كل ما هو ثمين من فكر للمجتمع والحياة. نصفق لها ولإبداعها الذي لا يتوقف.فعلاً جهود ترفع لها القبعة.

 

*مدرب وكاتب في فنون التواصل والقيادة، ومخرج للإعلام الاجتماعي.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

نصائح غذائية لصحة القلب والدماغ

الأول نيوز – تُظهِر الأبحاث أن الأطعمة التي تساعد على درء أمراض القلب، والسكتة الدماغية، …