السبت , أكتوبر 19 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

العولمة..كيف ندخل القرية الصغيرة

د. إسراء الجيوسي –
 
 تمتد جذورها الأولى منذ خمسة قرون بظهور فكرة الدولة القومية محل فكرة الدولة الإقطاعية؛ وويُقصد بثقافة العولمة؛ الإطار المعرفي الذي يجعل النظام الرأسمالي مقبولا من سائر الشعوب، وتتمثل في إخضاع هذه الشعوب لتقبل النظام الرأسمالي؛ وإرساء قواعد فكر معين ييسر تقبُّل فكرة الإنخراط في حركة الرأسمالية كما يحلو للغرب أن يسيره.
الكلام في ثقافة العولمة شائك وله إتجاهات متعددة ؛ ويمكن القول: إن الإطار الفكري أو الثقافي لأفكار دعم الرأسمالية يعمل على إقناع الشعوب بموافقة العقل؛ من منطلق أنه يحقق رغبات الأفراد بحرية مطلقة، وقد يتفاوت فهم الأفراد لمضامينها المختلفة؛ فالاقتصادي يفهمها خلاف السياسي، أو الاجتماعي أو الثقافي، ومؤخرا إنتشر مصطلح “ثقافة بلا حدود” الذي ينادي به مفكرو الغرب ليواكب الاتجاه العولمي، فهم في حقيقة الأمر يصنعون مبررات سيطرة الثقافة الغربية بلا حدود، “وقد أصبح هذا ملموسا على أرض  الواقع في ظل  عالم “بلا حدود ثقافية” وبهذا تصبح العولمة كمن يلحق بالركب ومن تفوته القاطرة يبقى وحده منفردا.
وقد عرفها مالكوم واترز مؤلف كتاب العولمة بأنها “كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد”؛ وهنا يكمن الخطر خاصة أن العولمة لم تقتصر فقط على البعد المالي والاقتصادي بل تعدت ذلك إلى البعد  الثقافي المتمثل في التقاليد والمعتقدات والقيم، كما أن العولمة لا تعترف بالحدود الجغرافية لأي بلد بل جعلت من العالم “قرية صغيرة” وهذا يعني أن الدول النامية، التي تعتبر الدول العربية والإسلامية منها، لا يمكنها أن تمنع العولمة الثقافية من الانتشار، لأنها ظاهرة واقعية تفرض نفسها بحكم النفوذ السياسي والضغط الاقتصادي والتغلغل المعلوماتي والإعلامي التي يمارسها النظام العالمي الجديد، ويترتب على ذلك أمور خطيرة قد تتمثل في طمس الهوية العربية، فالأوضاع الداخلية في العديد من الدول العربية لا تؤهلها للتعامل بفاعلية مع متطلبات عصر العولمة وتحدياته نظرًا إلى عمق التحديات التي تطرحها العولمة على هذه الدول، ومحدودية قدرتها على التعامل معها ؛ فأغلب الدول العربية لا تنقصها هياكل التكامل ولا الأفكار ولا البرامج؛ لكن الذي ينقصها هو إرادة التكامل.
ويمكن نجاح الدول العربية في الحفاظ على الهوية والثقافة العربية بالدفاع عنها من الانحدار أو الإندثار من خلال الإنخراط الواعي في عصر التكنولوجيا واعتماد إمكانيات في جوانب العولمة الإيجابية، وقد تستطيع أن تتحكم في الآثار السلبية لهذه العولمة، إذ بذلت جهودا كبيرة للخروج من مرحلة التخلف إلى مرحلة التقدم في المجالات كلها ومن خلال إعادة رسم السياسات العربية وصياغة الإستراتيجيات القومية للتعامل مع متطلبات العولمة الحديثة، بما يتناسب مع الهوية العربية ؛كما يتم ذلك أيضا من خلال إعادة النظر فى مناهجنا الدراسية التي تعمل على تأصيل وتوتيد الحضارة العربية  لمواجهة التحديات والتحولات التي تفرضها العوملة، إضافة إلى دور الإعلام الواعي المدروس الذي يسهم في نشر الثقافة العربية عالميا ومحلياً ويعرّف الثقافات العالمية بما لنا من تراث وتقاليد وقيم اجتماعية عريقة، كما أن دراسة سلبيات العوملة وإيجابياتها برؤية منفتحة وواضحة، يساعدنا  على إنتقاء كل ما هو مفيد وفي مصلحة بلادنا العربية (إقتصاديا، وسياسيا وثقافيا) والابتعاد عن كل ما هو عائق لنا ويحد من تقدمنا أو استقلاليتنا.
علما أن الرفض المطلق للعولمة لن يُمكِّن الدول والمجتمعات من تجنُّب مخاطر العوملة، كما أن القبول التام لها لن يمكِّنا من الاستفادة منها لأنها لا تتناسب بشكل كامل مع ثقافتنا وعداتنا وتقاليدنا ومعتقداتنا ” إذا ما علينا نحن العرب فعله؟ هل لدينا البديل أو الخيار لمواجهة تلك الأخطار التي تحيط بنا والتي تفرضها العولمة علينا؟ وهل تسلحنا بعقول فكرية تقوم بتحليل كل ما يدور حولنا؟ هذا ما يجب الإجابة عنه حتى نرتقي إلى مستوى العولمة بما يتناسب معنا ومع ثقافتنا وهويتنا العربية.
ودمتم طيبين

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

بيان عربي يؤكد ضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة

الأول نيوز- أكد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، المنعقد في دورة غير عادية …