الأردن في حجم بعض الورد إلا أنه….

د. شهاب المكاحله –

أردن أرض العزم أغنية الظبى نبت السيوف وحد سيفك ما نبا
في حجم بعض الورد إلا إنه لك شوكة ردت إلى الشرق الصبا
هذا المقالة عن وطن له من الورد عبق الماضي والحاضر والمستقبل وله من صليل السيوف ما لا تقوى عليه بنادق الأعداء والمتربصين به. هو شوكة تدمي مقل الواشين والحاقدين ومن يكيدون له. هذه المقدمة بعد ان تناهى إلي سمعي ومسامع الكثير من الإعلاميين والمطلعين على أمور المنطقة وسياساتها من أن هناك محاولات لتحييد وتهميش الاردن بسحب ملفات مهمة منه لصالح دول إقليمية تسعى للتطبيع مع تل أبيب بعد أن كانت في الأسم اول من طبع حتى قبيل اتفافية كامب ديفيد. 
يبدو أن الأردن قد بات اليوم أكثر من أي وقت مضى منعزلاً بل ومنطوياً على ذاته لأسباب عديدة منها داخلية وأخرى خارجية. فالأسباب الداخلية هي المتعلقة بالهموم الاجتماعية والاقتصادية للأردنيين وكيفية تعامل الحكومة مع  مواطن القلق المشروعة لكل أردني. أما الأسباب الخارجية فتلك هي المهمة جداً والتي قد تكون سبباً حقيقياً في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها المملكة.
لم يعد خافياً على أحد أن القضية الفلسطينية والسورية باتتا الهم الشاغل للقيادة الأردنية على الرغم من استهداف إسرائيل وعدد من حلفائها الإقليميين للأردن في محاولة لسحب ملف فلسطين والقضية الفلسطينية من أيدي الأردنيين طوعاً أو كراهية. فالأردن اليوم يعاقب على سياسته المتوازنة كما أنه لا يزال يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها مع الأشقاء على الرغم من تخلي بعضهم عنه في أحلك اللحظات.
لقد كان الأردن صمام الأمان للكثير من دول المنطقة في وجه التهديدات الإرهابية الداعشية والقاعدية والمنطلقة من كل من العراق وسوريا. واليوم يرى الأردنيون أن هناك محاولات اقليمية لابتزازهم في سياسة بلادهم وعزلهم وتجريدهم من أوراق القوة التي يتمتعون بها. ولعل زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى مملكة البحرين قبل أيام كانت لإبداء العتب من أن الأردن لا يمكن تغييبه عن الساحة الإقليمية وأنه لاعب أساس في كل الجولات التي تخوضها المنطقة على الرغم من التحالفات التي تعقدها الدول العربية مع إسرائيل بين الفينة والأخرى على حساب القضية الفلسطينية والأردن.
وفي هذا المقام والمقال، رسالة الشعب الأردني ممن التقيت تفيد أن القيادة الأردنية عليها أن تتمسك بالقاعدة الشعبية أكثر لأنها هي الأساس وأن من إدعوا أن وراءهم الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى سرعان ما زُعزعت عروشهم لأن الشعوب التي كانوا يحكمونها ما عادت متمسكة بهم. ونحن في الأردن نسعى للقيادة بالخير لأنها تمثل الأردنيين بكافة أطيافهم وعلى القيادة الرجوع إلى تلك القاعدة الشعبية التي تعد هي الجيش الحقيقي الذي يذود عن تراب الوطن والقيادة الهاشمية.
وخير دليل على ذلك هو ما قام به الشعب الأردني إبان ما يسمى بـ”الربيع العربي”. ألم يقم الشعب نفسه بالالتفاف على قيادته وحمايتها من تداعيات “الربيع العربي”؟لم تكن واشنطن ولا أية عاصمة وراء حماية الأردن من تلك المظاهرات التي اجتاحت عواصم عربية عدة والتي دمرت دولاً لا يزال البعض منها يعاني زلزال الإرهاب والدم. نقول للقيادة ولمن هم في موضع المسؤولية إن هناك محاولات لتهميش دور الأردن وتحجيم دوره ونفوذه في الكثير من الملفات الإقليمية التي طالما كان الأردن لاعباً اساسياً فيها إذ تستغل الدول ذات الشأن الوضع الاقتصادي للمملكة والاضطراب السياسي الذي تشهده المنطقة والعد العكسي لانتهاء الإرهاب في كل من العراق وسوريا ومرحلة بدء إعادة الإعمار لكل منهما.
إن انضمام دول عربية إلى المعسكر الإسرائيلي بعينه مؤخراً وعرضها إنهاء ما اصطلح عليه طوال الأعوام الماضية بـ “القضية الفلسطينية” قد يعني بشكل كبير أن حل القضية سيكون على حساب الأردن والدول المجاورة له وهذا ما قام به مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر مؤخراً من خلال لقاءاته المتعددة مع مسؤولين في المنطقة إذ زارها خلال الأشهر الأولى من العام أكثر من 4 مرات.
باختصار فإن ما يقال في واشنطن وفي عواصم كثيرة وعبر أروقة صناع القرار يشير إلى أن هناك انقلاباً على مواقف الأردن وهناك ضغوطات هائلة تمارس على قيادته في إطار صفقة لا يعلم بنودها إلا الله والقائمون عليها.  يتابع اليوم الأردنيون الأوضاع اللإقليمية رغم انشغالاتهم بهموم اقتصادية ما كانوا هم سبباً فيها بل أشقاؤهم الذين تخلوا عنهم في أحلك اللحظات. نحن من آوى كل عربي وكنا سقفاً يحمي رؤوسهم من كل أذى واليوم باتوا يتعاهدون بينهم على تهميش الأردن والأردنيين وتجريدهم من عناصر قوتهم ومنعتهم. والمطلوب من الأردنيين الالتفاف حول القيادة وإعادة ترتيب البيت الداخلي على أساس نزيه ووطني لرسم مستقبل زاهر للأردنيين جميعاً لا يقوم على نوايا الدول وعطاياها وهباتها التي لم تكن يوماً دون مقابل.
إن المحادثات المباشرة وغيرها بين تل أبيب وعدد من العواصم العربية مؤخراً تعني الخروج من عباءة الأردن لذلك علينا البدء بتأسيس خلية أزمة لرسم المستقبل المشرق للأردنيين الذين ضحوا بالغالي والنفيس لاستقرار المنطقة. علينا أن نكون واعين أكثر للمؤامرات التي تحاك ضدنا من القريب والبعيد. علينا أن نعي أنه “لا يحرث الأرض إلا عجولها”. ورحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه وعرف قدر الآخرين الذين استهانوا بقدراته. فالأردن صغير بمساحته وعدد سكانه ولكنه أهم دولة في الشرق الأوسط وينبغي البناء على ذلك.
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

قافلة مساعدات إنسانية أردنية تتجه إلى سورية

الأول نيوز  – بتوجيهات من الملك عبدالله الثاني، أرسل الأردن اليوم قافلة مساعدات إنسانية جديدة …