زُلَيْخَة أبوريشة –
أثارت القضية المرفوعة ضدَّ الداعية الإسلامويّ طارق رمضان، حفيد الشيخ حسن البنا، مؤسّس جماعة الإخوان المسلمين، من كاتبة فرنسيّة عدداً من ردود الأفعال، كما أثارت عدداً من القضايا. وإذ ليس من حقِّنا إصدار حكمٍ على الرجلِ بأنَّه مثل غيره من قادة الإخوانِ مدّعٍ قِيَماً ومُظهِراً عفةً، بينما حقيقته غير ذلك، فكذلك الأمر ليس من حقِّنا الزَّعم أن الكاتبة المدّعيةَ إنما تطلب الشهرةَ لكتابها، وهو كلامٌ قيلَ بأقلامٍ نابهةٍ وأخرى شعبويّة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، بعضُها يُدينُ الذَّكرَ في القصّة، وفي ذلك بعضُ حقٍّ، وأخرى تدين الأنثى دون وجهِ حقٍّ، فيما أرى.
القضيّة الأولى المثارةُ ليست ضدَّ الرجلِ نفسه بمقدار ما هي شماتةٌ بجماعةِ الإخوان المسلمين الذين لهم من الأعداء والخصوم أكبرَ بكثير مما لديهم من الأتباع والأصدقاء. حيثُ قد تشكّلَ لدى عامة الخصوم، الذين هم عامةُ الناس، أنَّ التديّن السطحيَّ الذي يمارسُه الإخوانُ إنما هو قناعٌ هشٌّ سرعانَ ما يتساقطُ عند أوّل اختبار، هذا في أحسن حالات حُسنِ الظنِّ.. أو هو قناعٌ لإخفاءِ حقيقةٍ أخرى لا علاقةَ لها بالعفّة، مما يشيرُ إلى الشيزوفرينيا الأخلاقيّة لدى الجماعة. ومع أنَّ الجزء الأخيرَ من الجملةِ لا يمكن أن ينطبقَ على تنظيم الجماعة، كتهمةٍ تطالها، لما في ذلك من تَجنٍّ ومن تعميم، إلا أن الذي يمكنُ التعليقُ عليه أنَّ الجماعةَ، مثلَ أي تنظيمٍ سياسيٍّ إسلامويٍّ، إنما تُعنى بالشكل الإسلاميّ أكثر من عنايتها بإنشاء الضمير الأخلاقيّ، حيثُ ينصرفُ (جهادُها) إلى تذليلِ الصعوبات النفسيّة أمام الذَّكَر بحجبِ النساءِ وتحجيبهنّ، هذا فيما يتعلّقُ بموضوعنا التحرش. وبذا يغدو وجودُ المرأةِ نفسِها رمزاً لمثارِ الشهوة، وخرقاً لحصونِ العفّة، حيثُ يحلُ للذَّكَرِ الشوفيني أن يتحرّشَ ما دامت المرأة لم تحقّق عبارة “وقرْنَ في بيوتكنّ” (الأحزاب: 33) الموجّهةَ أصلاً إلى نساء النبيّ! أو ما دامت لا تلتزم بما يُسمَّى “الزيُّ الشرعيّ”، وعلى ذلكَ بنى عددٌ مهولٌ من الدعاة وأهل الإفتاء فتاواهم، في تحليلِ التحرّشِ كردة فعلٍ ضروريّةٍ للجمِ النساء، مع ترك الحبلِ على الغاربِ لشهوة الذَّكَر الجنسية مُثارةً لأتفه الأسباب، كحقٍّ من حقوق الذَّكَر الشوفيني في كاملِ الفضاء العام.
ولا أستغربُ أن يكونَ الحِجاجُ الذي يدافعُ عن رمضان وغيره، في واقعة الاغتصابِ أو التحرُّش، منصرفاً إلى إدانةِ الضحيّة التي وضعت نفسَها في موضع إغواء الذَكَر، أو أن يكون تفكيرُ المتحرّش أن قبولَ المرأة بوجودها معه في مكانٍ مغلق إنما هو دعوةٌ صريحةٌ للتحرُّش بها. وهي صيغةٌ اتهاميّةٌ للمرأة لا يدانيها غُبناً إلا اتهامُ الضحيّة أنها ساعيةٌ إلى مكسبٍ من هذا المتحرّش، أو ساعيةٌ إلى شهرةٍ. إذ هناك عشراتٌ من السيناريوهات التي تجعل المرأة (تطمئنُّ) إلى وجودها مع رجلٍ في مكانٍ مغلقٍ، لتكتشفَ أنها كانت على خطأٍ عظيم! وهو أمرٌ يجبُ أن يدنّسَ صورة المتحرِّش لا صورةَ الضَّحيّة. كما أنَّ رجلاً في مقامٍ أرفع اجتماعيّاً (بالنسبة للمرأة) لا يجوز له وليس مسموحاً تحتَ أيِّ اعتبار أن يستعمل مكانته ومقامه في استغلالِ امرأةٍ في جسدها مقابل ترفيعٍ أو مصلحة؛ فالرجل في وضعه هذا هو المتحكّم بالمسألة، ولا يجوز أخلاقياً أن تتساوى الضحيّة مع الصياد، بله إفراد الضحيّة بالتقريعِ الأخلاقيّ.. إنَّ لجوءَ نساءٍ إلى ما يسمى “إغواء” الذكر رفيع المقام في الوظيفةِ أو في المجتمع، يجب أن لا يكون سبباً لتبرئة هذا الذكر من مسؤوليته في إدارة العلاقة بينهما، فهو وحده المتّهم، بينما المرأةُ في جميعِ الأحوالِ ضحية، حتى لو كانت هي الساعيةُ إلى العلاقة، إلا في حالة التساوي الاجتماعيّ، أو حالة أن المرأة أعلى في الموقع أو في المجتمع.
ولذا… دعونا لا نفقد الأمل!
الوسومالأول نيوز الاخوان المسلمون التحرش زليخة ابو ريشة
شاهد أيضاً
إطلاق الموقع الإلكتروني الجديد لمؤسسة الغذاء والدواء
الأول نيوز – أطلقت المؤسسة العامة للغذاء والدواء السبت، الموقع الإلكتروني الرسمي الجديد للمؤسسة باللغة …