أسامة الرنتيسي –
فجعت ظهر الخميس برسالة من صديق الغربة الشاعر والكاتب الصحافي الكويتي عبدالله فلاح أبو اليسار يقول فيها “بو صالح عطاك عمره”.
وأبو صالح المشترك بيننا هو الكاتب والإعلامي الكويتي سعد المعطش العنزي، الذي خطفه الموت في ساعات متأخرة من مساء الأربعاء، إثر جلطة قاسية على القلب.
لم أبك بحرقة منذ وفاة ابنة شقيقي لارا في 27 آب من العام الماضي مثلما بكيت لحظة خبر وفاة الصديق الشهم والمحب والعذب سعد المعطش.
أبو صالح؛ ذاك العروبي الذي بكى لحظة قرار القدس، الذي اطلق على ديوانيته في الكويت “ديوانية الوحدة الوطنية”، الكاتب بلا مقابل في صحيفة الوفد المصرية، واليوم السعودية، والكاتب اليومي في صحيفة الأنباء الكويتية، اتصل معي عارضا الكتابة من دون مقابل في صحيفة العرب اليوم الأردنية لأنه مثلما يحب الكويت يعشق الأردن، كتب أول مقالة عن سر المنسف.
المعطش؛ الشاعر البدوي العذب، والكاتب الصحافي الساخر واللاذع، كان يفتخر أنه تلميذ في مدرسة الشاعر العراقي الكبير صانع اللافتات في القبس أحمد مطر، بعد علاقة بدأت معه قبل أكثر من ربع قرن، لا أريد أن أكشف عن سرها لأني وعدت أبا صالح بذلك.
المعطش منذ أكثر من ربع قرن اشتهر بالكتابة الساخرة والجريئة، حيث كانت بداياته في صحيفة “الحدث” الكويتية من خلال زاوية مثيرة للجدل سماها “فياغرا”، إضافة إلى عمله معدا ومقدم برامج في عدة صحف وإذاعات وقنوات تلفزة، وكانت آخر محطاته في صحيفة “الأنباء” بزاويته المشهورة “رماح”.
ابوصالح؛ كان المستشار غير المسمى لرئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك، الذي كان يحب أن يناديه “أبونا”، وهو مثلما قال فيه الإعلامي الكويتي داهم القحطاني: “رحم الله ابو صالح كان بسيطًا في ردوده، عميقاً في معانيه، عاش الحياة من دون تصنع، فاتفق معه كثيرون، واختلف معه كثيرون؛ لكن أحدًا لم يبغضه، فالرجل نقي السريرة، عذب المعشر، ضحوك الوجه، كريم اليد وأَشهد على ذلك”.
وزير الإعلام رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد الجبري قال إن الساحة الصحافية والإعلامية الكويتية فقدت برحيل الزميل المعطش أحد أصحاب الأقلام الوطنية المعبرة عن القضايا الوطنية بجرأة الناقد العاشق لوطنه وأهله والمستندة إلى قيم الولاء والانتماء الوطني مستهدفا برماح كلماته المصلحة الوطنية وأهله.
ثمة ميتة رحيمة، وثمة ميتات تأتي على حين غرة، تقصف عمر الإنسان من دون استئذان، لا تحاوره، لأنها تعرف أنها مقدّرة لا يمكن ردها، هي هكذا تغشى الجسد المتعب حتى تمنع النَّفَس عنه. لا تنظر إلى أن هذا الجسد سكنه القهر والظلم، فولج صاحبه زاوية في العتمة هرباً من سياط الواقع لا خوفاً ولا تردداً، لكنها لحظة مداعبة لموت لا يقبل المزاح.
أيها الموت.. أعرف أنك لا تصوم، ولا تفرّق بين مفطر وصائم، وأعرف أنك لا تقبل المساومات حتى لو دعوناك لتجلس في صدر البيت، وعلى أنعم أريكة.. أعرف أنك لا تستجيب لنا، لكنني أتمنى أن تكون رحيماً بمن أحب الحياة، أتمنى ألا تمارس سياسة الخطف، فهي مؤلمة لقلوبنا.
أيها الموت، أعرف أنك لا يمكن أن تصاحبني لأحدّثك عن أحباب خطفتهم، ونحن نرجو لهم حياة أطول، فهم مبدعون حد الرفعة، وصعاليك في هذا الزمن الرديء.
أنت هكذا أيها الموت، لا تطرق الباب، ولا تستأذن، تفعلها برغبات لا راد لها.
ألا تقبل أن ندعوك إلى صفقة حتى لا تأتي غفلة، وإذا أمكن أن تؤخرنا قليلاً لننعم بعمرنا الذي سرق منا فواتير مدفوعة لأبناء قادمين، يحلمون بالحياة، ولحياة أصعب من قرط حجر الصوان؟
أيها الموت، ابتهج وافعل ما أنت مأمور به، لكن على رسلك قليلاً فنحن لا نزال أحياء، وإياك والغدر، فنحن عشاق الحياة، قد نمازحك، ونلهو معك إذا وافقت على ذلك، لكن تأكد أننا نعيش الحياة ليس حبا فيها فقط، بل حبا بأحباب يخطون الآن الأحرف الأولى في الحياة، فهم مشرقون ونحن نغرب.
سعد المعطش كيف تقبل الموت بالجلطة وأنت المبتسم دائما، وخارطة الكويت على رأسك.
أبو صالح، لروحك الرحمة ولاهلك واحبابك حسن العزاء, عليك رحمة الله، وما بدلت تبديلا…وعلينا أيضا.
الدايم الله….
الوسوماسامة الرنتيسي الأول نيوز سعد المعطش
شاهد أيضاً
الأوقاف الفلسطينية: اقتحام الأقصى 25 مرة ومنع الأذان بالحرم الإبراهيمي 89 وقتا خلال حزيران
قالت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، في تقريرها الشهري، إن الاحتلال الإسرائيلي صعّد من انتهاكاته …