لا يزال رئيس ضرورة

فتحي خطاب – مصر-
 
صحيح نحن ننتقد الرئيس السيسي صراحة وبموضوعية، ومن جانب عدم التوفيق في اختيار رجال الحاشية، والذين يورطونه في اختيارات أخرى من كبار المسؤولين سقطوا تحت ضربات هيئة الرقابة الإدارية، من وزراء ومحافظين، وكان بالضرورة محاسبة من رشحهم.. والصورة تنسحب أيضا على الإعلام المصري، ويتصدره أيضا رموز من رعايا نظام مبارك، وفشلوا بجدارة عن ملاحقة الانجازات التي تمت على أرض الواقع، في الولاية الأولى للرئيس السيسي، وهي انجازات لم تكن متوقعة في «زمن قياسي، ومناخ  وظروف معادية تماما».. وإذا كان الرئيس السيسي يرى ـ بحسب منطوق كلماته ـ أن «عبد الناصر كان محظوظا مع الإعلام»، فالقضية ليست ضربة حظ، أو لعبة نرد، ولكن كان الحظ مواكبا لحسن الاختيار بمعايير«الكفاءة وليست الشللية والرضا الأمني »!! وهذه النوعية «الإعلامية» الحالية ساهمت بالفشل، في السحب من رصيد الرئيس السيسي، بينما كفاءة وقدرات الآخرين في زمن عبد الناصر حشدوا الشعب ليضيفوا إلى رصيده، وإن كان رصيد الزعيم الراحل قد تجاوز ـ بحسب التعبير المصرفي ـ كافة حدود «الائتمان الشعبي»..وهذه قضية يطول شرحها،  ولا أعرف كيف اتناولها بالتوضيح حتى لا أدوس على أقدام  آخرين من الزملاء !!
وبصرف النظر عن المناخ الراهن في مصر، المصاحب لبدء «طقوس» الانتخابات الرئاسية، ومن المتوقع أن نجد «الضرب تحت الحزام» من مزاعم وإفتراءات وأكاذيب الكتائب الإلكترونية «الإخوانية»، ويجب أن نعترف بـ «شطارتهم» في هذا المجال، إلى درجة الاتقان المبالغ فيه أحيانا .. ومعهم أيضا «جيش الكتروني وفضائي» من فصائل وكتائب جماعة «الإسلامجية» وبدعم أمريكي ـ تركي ـ قطري، لا يحتاج إلى رصد أجهزة استخبارية، لأنه مكشوف وعار تماما.. بصرف النظر عن كل هذا.. وعن معركة يراها «هؤلاء» ضرورة ومصيرية، فإننا أيضا نرى أن الرئيس السيسي لا يزال رئيس ضرورة لمصر..رئيس ضرورة في زمن المتربصين بمصر من الداخل ومن الخارج ، ومن يتصور أن مصر لا تزال الجائزة الكبرى، وأن الوصول إليها و«اقتطافها» عن طريق جماعات «الإسلامجية».. وهي لعبة  أمريكية قديمة .. معروفة، ومكررة ومملة !!
وصحيح..من حق الجميع (أو على الأقل غالبية السواد الأعظم من شعب مصر) أن يصرخ من وجع الغلاء، وانفلات الأسعار.. ولكن هناك من ينظر تحت قدميه، ولا يلقى البصر إلى الحقائق من حوله !! مواجع الحياة المعيشية شىء .. وتشويه صورة الواقع شىء آخر.. ومن مبادىء علم الاقتصاد التي درسناها، فإن مصر أوشكت أن تنتهي من تأسيس قواعد الدولة الحقيقية للتنمية ورفع مستوى المعيشة.. وإذا كان من حق الكثيرين، أن ينتقدوا بكل الصور انفلات الأسعار، وفشل وزير التموين في ضبط الأسواق ( وكأنه فشل مقصود من أحد رجال حكم مبارك).. ونكرر، إذا كان من حق المعترضين أن يرفعوا أصواتهم في مواجهة «نار الأسعار، وجشع التجار، وتدني القيمة الشرائية للجنيه»، ولكن ليس من حقهم أن يديروا وجوههم بعيدا عن الحقيقة، وبمقدار ما تقول به الأسطورة ، إن الحقيقة جاءت إلى الناس عارية، فوضعوا أياديهم على عيونهم وابتعدوا عنها.. ليس عن إيمان وحياء وتقوى، ولكن عن قصد وجهل معا !!
والحقائق التي أقصدها، كشف عنها بتعبير درامي، مختصر ومفيد، أستاذي الكبير الراحل «هيكل»، بأن مصر تشبه «سيارة»..بدأت تتلف مع السادات..وتعطلت مع مبارك..وحولها مرسي إلى «توك توك» ..واستلمها السيسي «متهالكة»، ولم يعد أمامه إلا مواجهة الناس بالحقائق .. ونحن أمام لحظات فارقة، فيها مخاطر بلا سقف ولا أرض !!
وإذا كان بعض التفصيل لازما، بقدر ما هو ضروري للشرح .. فإن الشعب المصري كله، كان في سيارة كبيرة جدا، تتجه إلى المستقبل، في حقبتي الخمسينيات والستينيات، من القرن الماضي، لكن بشكل ما، وعند لحظة معينة، في بداية السبعينيات تحديدا، مع حكم الرئيس السادات، سارت السيارة في الصحراء لفترة طويلة، وتاهت، وبدأت الإطارات تتلف وغير ذلك، وقبل إغتيال الرئيس السادات 1980 كانت السيارة الكبيرة بدأت في التلف، وفقدت أحد إطاراتها .. وجاء بعده الرئيس مبارك، وتصور بخبرته كطيار أن السيارة الكبيرة «طائرة» فبدأ إصلاحها على أنها كذلك، لكنه لم ينجح، لأنه كان يفعل شيئا ضد طبيعة السيارة، وهي بالطبع ليست طائرة، ولذلك ظلت السيارة في طريقها معطلة، وبالضرورة فإن الطريق إلى المستقبل ظل معطلا مع تراكم المشاكل، وتزايدت في نفس الوقت مشكلات الأعطال !!
ثم جاء المجلس العسكري بعد ثورة 25 يناير 2011 ووقف أمام السيارة حائرا، ولم يعرف كيفية إصلاحها .. وجاء بعد ذلك الرئيس الأسبق محمد مرسى، فرأى السيارة الكبيرة تعاني من عدة أعطال، فأعتبرها «توك توك» وبدأ يقودها على أنها كذلك، وصعد معه في السيارة الأهل والعشيرة وأقفاص الدجاج، لكنها لم تمض بهم أيضا على الطريق .. إلى أن وصلنا إلى مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، التي وقف فيها كل أصحاب السيارة، وهي سيارة الوطن، أمام أعطالها، مستعجلين تحركها، حتى أن البعض وفي مشهد غريب يريد الدفع بالسيارة من الخلف..وفي هذه الحالة دخل على الطريق «حامل مسدس» يحاول خطف السيارة، أو على الأقل اتلافها تماما وتفكيكها، و«حامل المسدس والمتفجرات» من الإرهابيين، يعمل لدى السماسرة من قوى خارجية وعربية، ويترقب حتى الآن أن يستلم ثمن التفكيك !!
وهكذا..كانت السيارة «متهالكة»، والأخطار على الطريق داهمة، والمشاكل «ملغّمة»، وكل ما حول السيارة في الإقليم «مزعج»، وأعمدة نيران الإرهاب حولها تمتد من العراق إلى سوريا وليبيا .. والفشل في هذه المرحلة معناه نتائج كارثية .. ولم يعد أمام الرئيس السيسي خيار آخر، غير التعامل مع السيارة على حالتها، وتبين أن الأعطال تحتاج إلى ما هو أكبر من مجرد إصلاح إطار أو تبديله، أو تصليح أجزاء «خربانة»، فالسيارة تحتاج لما هو أكبر من «عمرة» كاملة، ولا تتحمل التأخير أكثر من هذا، ولا بد من مصارحة كل أصحاب السيارة ، بحقيقة الملفات التي لا تتحمل التأجيل.. وحتى يمكن للسيارة بعد ذلك أن تنطلق على الطريق إلى المستقبل.
وفوق كل ما تقدم .. كان أمام «السيسي» إما تحريك السيارة بأي وسيلة، وبعد ذلك يفعل الله ما يشاء .. وإما أن يتم «إصلاح كامل للسيارة»، وعلى أصحابها تحمل النفقات، حتى يعرفوا طريقهم وطريق أبنائهم وأحفادهم للمستقبل..وهو ما يحدث الآن، من مشاريع بنية تحتية ضخمة، تمهد الطريق لإنطلاق السيارة فيما بعد، وبالتوازي مع مشروعات تنموية كبرى أيضا .. وهو ما يثير تساؤل البعض من «قصيري النظر ومحدودي البصيرة» : لماذا ننتظر ثلاثة أو أربع سنوات حتى نشعر بالنتائج، وبمقدار ما يقول به المثل الشعبي عن العجزة «أكلني النهاردة .. وموتني بكرة» !!
وربما لا يعلم كثيرون، أن إصلاح السيارة الكبيرة أصبح واجبا و«فرض عين» وطني .. وأن إصلاحها يتم دون رغبة حتى من بعض الأشقاء العرب، وبات لعبهم معنا على المكشوف بكل آسف..هم وغيرهم خائفون من إصلاح السيارة الكبيرة ، ويحاولون اعتراض حركة الإصلاح، وبدوافع تفوق دوافع قوى خارجية تناصبنا العداء لأسباب ومصالح ومطامع استراتيجية تاريخية .
 
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال مدينة غزة وخان يونس

الأول نيوز – استشهد سبعة فلسطينيين، وأصيب آخرون، منذ فجر الأحد، في قصف طائرات الاحتلال …