فيديوهات خطرة وخطاب خشن في الفضاء الأردني

أسامة الرنتيسي –
 
تنتشر في الفضاء العام الأردني  فيديوهات خطرة، بخطاب عالي السقف، تتوزع عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من النار في الهشيم، قد تصل الى هاتفك عشرات المرات من أصدقاء مختلفين خلال أقل من ساعة، ما يؤشر على أن عليها حملات ترويج كبيرة.
ليست الخطورة في  الفيديوهات هذه وخطابها الخشن، لكن الخطورة في النظرة الاستعلائية لمثل هكذا أفعال، وأن حضور هذه الوقفات او المسيرات لا يتعدى العشرات او المئات، ولكن بالحسبة البسيطة، فإن هذه الفيديوهات تصل الى معظم الأردنيين بالوسائل كافة، خاصة أننا شعب مغرم بالتكنولوجيا والإنترنت والهواتف الخلوية الذكية.
طبعا؛ لولا قرارات الحكومة الأخيرة البشعة وهجومها الخشن على لقمة عيش الأردنيين لما شاهدنا هذا الغضب والكلام القاسي  الذي يتجاوز كل تقاليد المعارضة الأردنية، والموقف الشعبي الأكثر حرصا على أمن  البلاد وسلامتها من الجهات التي تقرر مثل هكذا قرارات، لكن نظرية الضغط يولد الإنفجار على ما يبدو غائبة عن عقلية صناع القرار، الذين يتوهمون أن المواصفة الأردنية للاحتجاج لا تتعدى وقفة مئات الأشخاص، وإطلاقهم كلمات غاضبة، وبعد ذلك ينتهي كل شيء.
القراءة الأمنية في الدولة العميقة ترى أن هذه الأمور تحت السيطرة، ولا أعتقد أن أردنيا واحدا يحب أن يرى الفوضى في شوارعنا، لكن إذا كان الاعتقاد أن السيطرة على الأحزاب السياسية وقطع ألسنتها، وتحنيط موقف الإخوان المسلمين عند درجة الرشد الكامل والنوم في البيوت، وعدم إصدار حتى بيانات سياسية، وتزبيط الحالة البرلمانية الى درجة أن الغضب الشعبي متحامل على النواب أكثر منه على الحكومة، كل هذه الإجراءات لن تصمد طويلا إذا خرج الغضب من صدور الأردنيين الى الشارع، عندها لن تنفع القبضة الأمنية الخشنة، ولا أحد يتمنى أن نصل الى هذه الحالة.
في القراءة الأمنية معظم الاحتجاجات يحركها من فشل في الانتخابات النيابية الماضية، ولهذا فإن المطلب الأول في  الاحتجاجات جميعها حل مجلس النواب،  والرقم قد يصل الى نحو 5 آلاف مرشح لم يحالفهم الحظ، يضاف لهم من فشلوا في انتخابات اللامركزية والبلدية الأخيرة، وهذا المجموع قد يصل الى أرقام كبيرة لو حسبنا أن كل فاشل في الانتخابات يحرك عشرة أشخاص على الأقل.
الأوضاع الداخلية مرتبكة وقلقة، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية في صعوبة لم يشهد الأردنيون مثلها في أكثر المراحل حلكة، ويفهم المواطنون ان هناك بخلا من الأشقاء لم يتعودوا عليه، لهذا تحتاج المرحلة الى وقفة جادة وحقيقية، وتحتاج معالجة القضايا الفرعية الأمنية وغيرها الى عقل بارد، من دون استعراض، وان يكون أساس العمل توحيد الناس، وتماسك الجبهة الداخلية، وهما بكل الأحوال أهم بكثير من اي حلول اقتصادية ترقيعية.
توحيد الناس داخليا على مجمل القضايا الوطنية، وفتح حوارات جادة مع  قوى المجتمع جميعها، المؤيد منها والمعارض، (وليس مع سجلات المحافظين) قضية في غاية الخطورة، نظرا لما يُجرى في الاقليم، وفي الجوار تحديدا، لأن ترك التفاهم الداخلي على القضايا الوطنية والإقليمية، من الممكن أن يكون بوابة عبور لفوضى لا أحد يريدها، ونزاعات لا أحد يعلم الى أين تصل مدياتها.
الحوار مع قوى المجتمع ضروة وطنية، لأننا لسنا في بحبوحة توزيع الغنائم، فالأوضاع صعبة، وأصعب مما يتخيل بعضهم، والصعوبة ليست مقتصرة في الجانب الاقتصادي والمعيشي للناس، بل تتعدّاه الى الشعور بعدم الاطمئنان والأمان على كل شيء، حتى ازدحمت الصحافة الغربية في الفترة الماضية بأخبار التحذير من أشهر الصيف في الأردن، وأن حزيران الأردني  سيكون ربيعا مختلفا.
الدايم الله…..

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

عقلاء وحكماء في بطانة صانع القرار

 أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – نمرّ بمرحلة في غاية الحسّاسية، لا ينفع فيها …