العلمانيّة والإخوان

زُلَيْخَة أبوريشة –

 
جرت قبل فترة  (مناظرةٌ) في رابطة الكتاب الأردنيين بين علماني صريح هو أستاذ الفلسفة د. أحمد ماضي، والمراقب العام الرابع السابق للإخوان المسلمين السيد سالم الفلاحات. وإذ إنَّ المناظرةَ فنيّاً لم تكن مناظرةً، ولم يُنجَز الإعدادُ والترويجُ الإعلاميّ لها بمثل ما ينبغي بحسب إمكانات العصر الراهنة، كما هو شأن الرابطة ووجودها خارج الحداثة، إلا أنها كانت ندوةً حِبّيّةً إخوانيّة بين صديقين يتهاديان الابتسامات والمودات؛ يعني ندوةً زال فيها التوترُ الذهني المنتظَرُ، لتحلَّ دهشةٌ عارمةٌ من قدرةِ السيد فلاحات على أن يسبقَ أستاذ الفلسفة إلى تبنّي العلمانيّة والتوسُّع في قبول مضمونها، مع استثناءات ضروريّة لبقاء الجسد الإخوانيّ حاضراً في السياسة، باستخدامِ جميعِ الوسائلِ المتاحة، بما فيها الانتهازيّة.
وابتداءً، فقد اقترح الفلاحات للدولة تسميةً أخرى لها، غير العلمانيّة، وهي “الدولة المدنيّة”، والسبب كما أعلنه هو “سوء سمعة المصطلح”، متجاهلاً طبعاً أن مصطلح العلمانيّة لم تسُؤْ سمعتُه إلا على يد الإسلام السياسي وعلى رأسه الإخوان!! فلو كان مخلصاً في نواياه لخاطبَ (شعبه) الإخواني ليتوقّفَ عن تكفيرها، ويحترم أصحابها، ويتصالح مع شرعيّة المطالبةِ بها والسعيِ نحو تحقيقها. ولكنَّ القيادي الإخواني يريدُ أن يجرّ أنصارَ العلمانية إلى مصطلحٍ تتوارى خلفه مقاصد أخرى  أزليةٌ لديهم، وهي البعد الديني في الحكم، حيثُ من الممكنِ أن يزعموا أنَّ الإخوان المسلمين “حزبٌ مدنيٌّ بمرجعيّةٍ إسلاميّةٍ”، وهذا ليس سوى احتيالٍ وتَقيّةٍ. إذ سيكون الاختبارُ الحقيقيّ للإخوان ليسَ القبول بدولة “مدنيّة” فحسب، بل أن يتداعوا إلى شطب المادة الثانية من الدستور وهي التي تقولُ بأنَّ “دين الدولة هو الإسلام”، وهو مطلبُ العلمانيّة الأخطر والأهم.
ومع العلم أنَّ التقارب العَلماني الإخواني الذي دعا إليه الفلاحات، ليس إلا صيحةَ محتضرٍ في هذه الظروف الإقليمية التي يواجهُ فيها الإسلام السياسيّ مصيرَه الغامض، فإنه ليسَ حسناً ولا بُعدَ نظرٍ البتّةَ أن تسعى مراكزُ العلمانيّة والحداثةِ واليسار، على افتراضِ أن رابطة الكتاب ما تزال كذلك، إلى مدِّ جسور اللقاء مع الإخوان قبل أن يجيبَ الإخوان عن المسائل التالية:

  1. تطهير الأدبيات الإخوانية في جميع مراتب الإخوان وأسرهم وتربيتهم المنزلية ومخيماتهم من خطاب التكفير والكراهية والوصاية والإقصاء والتحريض.
  2. عدم الوقوف في وجه التطوير التربوي، والتعاون في تقديم بنية تربويّةٍ عصريّة لا تتسلّلُ إليها أيدولوجيا.
  3. إيقاف جميع حملات العنف والتكفير ضدَّ الأشخاص والجماعات التي تشتغل على العلمانية والفنون والرياضات والحياة السلميّة.
  4. إعادة تأهيل الإخوان باتجاه المواطَنة ودولة القانون، واحترام علم البلاد دون نقاش.
  5. احترام الحريات العامة والحرية الفردية بما لا يضرُّ ويؤذي الأشخاص أو الممتلكات أو البيئة الطبيعية، دون أن يُحشَرَ الدينُ حشراً للهيمنةِ باسمه على الآخر المختلف.

هذه بعضُ نقاط يحتاج الإخواني أن يتأمّلَها وينظرَ في قدرته على التعامل معها حتى يكون ممكناً “رأبُ الصدع” في وطنٍ يشكو من التهافتِ والنسيجِ المهلهلِ الذي أوصلنا إليه الإخوان وأمثالهم. وإلا كانت هذه (المناظرةُ) بلا طائل إلا تقديم تنازلاتٍ علمانيّةٍ لخصمٍ في حالةِ ضعفِه القصوى، فيشتدّ!!!
وعلى ذلك أعقدُ الأمل…!
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

عاجزون عن حل مشكلة الكلاب الضالة

أسامة الرنتيسي  –   الأول نيوز – الحكومة وأجهزتها هما الجهتان اللتان لا تريان أن  …