الحوار الأردني- الأردني ومناصب المجاملات

د. شهاب المكاحله – واشنطن –
 
تعكف بعض الشخصيات الأردنية من وراء الكواليس لرسم سياسة المملكة وما يظهر للعيان هم وزراء ونواب وغيرهم ممن يديرون ملفات بعينها ولكن القرارات في معظمها تجميلية بامتياز. فانهاء خدمات وزير وإحلال آخر لا يعني حلا للمشكلة التي في أساسها متجذرة. علينا أن نعالج الاسباب الرئيسية لما وصلت اليه المملكة من حالة من الاحتقان والنزيف الداخلي. لن تنفعها والله جراحة تجميلية ولا ترميمية ولو كانت بايدي امهر الجراحين التجميليين في العالم.
كل الحكومات الاردنية تتعامل مع قضايا الشعب الاردني كطائرالنعام. ترى الحقيقة المُرة ولكنها تدس رأسها في الرمال. وتقول ستحل المشكلة. المشكلة في الاساس مناصبية تتعلق بالمحاصصة. فيغيب وزير من القبيلة الفلانية ونأتي بابن عمه من نفس القبيلة أو من نفس المنطقة. والله لا أعلم إن  كان ذلك منصوص عليه في الدستور الأردني أم هي السياسة لكسب رأي الشارع العام  بأن هناك عدالة في التوزيع. يعلم الاردنيون أن لا عدالة في توزيع المناصب ولا الوزارات ولا حتى المناصب الدنيا فما بالكم بالمناصب العليا. فلو أردنا توزيعا عادلا لا بد من النظر الى توزيع السكان أولا – علما انني لست مؤيدا لهذا المبدأ—لوجدنا أن تركز السكان هو في محافظات عمان والزرقاء واربد. أي أن الحكومة ومجلس النواب وغيرها من السلطات يجب أن تتمثل في الغالبية المطلقة من هذه المحافظات. وأنا لا أؤيد هذا لان فيه ظلما لمؤهلات وخبرات أردنية في مناطق غير هذه المحافظات الثلاثة.
واليوم نرى أن التوزيع يتم كالتالي: أنت برأس الجبل وأنا براس الجبل الثاني. والله إنً فهمنا لألية الحكم الحديث خاطئة ومُسيسة بشكل لن يفيد الأردن بشئ. سمع الأردنيون أن بعض الوزراء اعترض على تعيين مدير مكتب الملك نائبا للرئيس وقالوا إنهم لا يرغبون بذلك القرار وتقدموا باستقالاتهم. منذ متى كان الوزير في الاردن يعين وفق الاقدمية؟ كم من وزير كان تعيينه في يوم وليلة في وزارة لا يعلم عنها شيئا وعلى حساب الكثير من الموظفين من نفس الوزارة ممن لهم الاسبقية والاهلية في المنصب ولكن لأنهم ليسوا “مدعومين” أو “ليس لهم سند او ظهر” أو ………..؟!!!
لو  طلب يوما ما منا كأردنيين أن نكتب مذكراتنا – هذا طبعا إن كان عندنا وقت لذلك لأننا مشغولون بالتفكير في كيفية الحصول على قوتنا وقوت أبنائنا ليتمكن عدد من المسوؤلين من ارتداء بدلة مناسبة تليق بهم في لقاءات المسوؤلين من الدول الأخرى – لوجدنا أننا لن نجد صفحة واحدة توحي بأن هذا الانسان الاردني عاش يوما متأملا في غد افضل. وأنا هنا لا ألبس نظارة تشاؤمية ولكن أشخص الواقع وما سيكون عليه في المستقبل القريب. فالهوة تزداد ما بين الفقراء وما بين حفنة الاغنياء في الأردن الذين لا يختلفون عن عصور الاقطاع في الماضي في أوروبا.
واليوم يعيش الأردن أحلك أيامه نحو رسم مستقبل – الله وحده يعلم كنهه. فالخلافات السياسية باتت واضحة والفروقات الاجتماعية باتت أكثر وضوحا بل بات المراقب للوضع الاردني يرى أن الشعب إما ثري لا ند له في الثراء، إذ لا يدري ماذا تعني كلمة شعب أو ماذا تعني الطلبات الملحة والضرورية للمواطن لأنه يعيش في قمة البذخ فلا دمه من دمهم ولا قوته من قوتهم: فثيابه حرير وطعامه كافيار وبتيفور وغيره الكثير، وإما كادحون وهم الغالبية العظمى من الشعب.
لا نريد أن يصل الشعور العام بين المواطنين إلى مرحلة التهميش كما مارسته بعض الحكومات. فأبناء الوطن كادحون يعملون لتلبية النذر اليسير من حاجاتهم حتى يتسنى لهم العيش بكرامة بعيدا عن الذل والمهانة. ولكن وبعد رفع الدعم ومقارنة المسروقات في حسابات بعض الاثرياء في الاردن، ممن حساباتهم في الخارج، نجد أن حجم مديونية الاردن تعادل تلك المسروقات. بل وكما يقولون: نذهب لنأخذ المعونة من دول الخليج ونسمع منهم عبارات: جاء الأردنيون يتسولون. أليس هذا بعيب؟ نحن أين كنا واين أصبحنا؟
فالأزمات الاردنية صنعها سياسيون ورجال أعمال اختلفت وجهات نظرهم ومصالحهم وقراءاتهم لعدد من القضايا. فما هو مهم لدى البعض منهم غير مهم للشعب. أي أن هؤلاء بواد والشعب بواد أخر. فهل يعقل أن تكون مديونية دولة تعادل أرصدة بعض من مليارديراتها المحدثين. (الحارة ضيقة وكلنا نعرف بعض). فمن أين لك هذا؟! إن الخلاف امر طبيعي يمكن ان يحدث في اي مكان . لكن في العادة يحل السياسيون والاقتصاديون مشاكلهم بتكتيكات لا تؤذي الشعب. فالحال في الاردن فيه مضرة للمواطنين من كل الوجوه وفيه منفعة للأثرياء واصحاب رؤوس الأموال.  لذلك لا بد من ايجاد لغة  للحوار غير اللغة الانفعالية المستخدمة اليوم. فكيف يمكن أن يطلب من صاحب رأس المال أن يُشرع قانونا لا يخدم أحدا سوى مصلحته وتجارته؟!
فالحل يكمن في ايجاد لغة للحوار غير اللغة التي يتبناها الساسة والنشطاء الذين لا يظهرون الا في الازمات ويمتطون المسيرات والعصيان المدني للوصول إلى مآربهم الخاصة.
وهنا تبرز أهمية توفير ارضية للحوار. ثم ايجاد وسطاء جيدين من أبناء الأردن الشرفاء الذين لم تتلطخ أيديهم بقوت الشعب. والخطوة الثالثة هي خلق قناعة لدى الشارع الاردني بأهمية الحوار كسبيل واحد ووحيد للحل من المعضلة التي يمر بها الاردن ومصارحة الشعب بكل صغيرة وكبيرة لأنه وحده من يتحمل أية قرارات خاطئة وكم تحمل هذا المواطن منذ زمن طويل اخطاء الحكومات المتعاقبة ناهيك بالنهب والسلب الذي مارسه بعض المسؤولين ذوي الضمائر الميتة. والخطوة الرابعة تكمن في اشراك شرائح اخرى غير سياسية كالقيادات الاجتماعية والدينية والنخب الثقافية والاكاديمية ووسائل الاعلام لخلق مناخ جاد للحل. وأخيرا خلق بيئة تعايش للحوار مبنية على التفاعل الشعبي من خلال إشراكها بشكل فاعل في بناء الوطن.
أؤمن بالتغيير ولكن إذا كان التغيير للأفضل لا للأسوأ. ونحن بتفصيل المناصب والوزارات اليوم نضيف عبئأ اضافيا على كاهل المواطن لأنه وحده من يتحمل تبعات رواتب هؤلاء الوزراء وغيرهم.
وسيكون لهذه الأيام وما تفرزه وما ستسفر عنه من نتائج عظيم الأثر في تحديد ملامح المستقبل الأردني لحقبة طويلة قادمة. فالحل من خلال الحوار ما بين القيادة والشعب امر ضروري لضمان الخلاص من شبح العودة الى المربع الاول في الأزمة. إن المواطن الأردني الذي يبني هذا البلد هو أحق بموطنه وهو الأحق بترابه وهوائه الذي حرم منه لغربته سنوات عديدة ومكابدته مصاعب الحياة في سبيل تحقيق العيش الكريم له ولأفراد مجتمعه.  لا نريد أن تصبح ألاردن مرتعا للجميع إلا أبنائه.
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

مصدومون من التوقف المفاجىء للحرب!

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – أستيقظ العالم صباح الثلاثاء على توقف مفاجىء للقتال …