ملامح ربيع عربي بنسخة جديدة

د. شهاب المكاحله — واشنطن –
التغطيات الاعلامية الغربية الموسعة هذه الأيام عن ربيع عربي جديد تعني الكثير بالنسبة للمحللين السياسيين والاقتصاديين. فعندما نشرت صحيفة الـ”فايننشال تايمز” تقريرا بعنوان: “هل يزرع الشرق الأوسط بذور ربيع عربي جديد”في عدد الاربعاء 7 مارس 2018 الذي حذرت فيه من نتائج ربيع عربي أكثر قسوة من ذلك الذي أشعل العالم العربي منذ سبع سنين، فإنها، وكونها مقربة من مركز صنع القرار والاجهزة الاستخباراتية، على علم بأن أمرا جلل قد يحدث في الدول العربية وأن ما قد تؤول اليه الأمور لم تكن في حسابات أحد.
واقتبس مما نشرته الصحيفة: “إن الشرق الأوسط على موعد مع موجة جديدة من ثورات الربيع العربي لكن الربيع هذه المرة سيكون غاضبا وعنيفا يأكل الأخضر واليابس”. وأشارت الصحيفة إلى أن “الوضع الآن مشابه للأوضاع في 2011، حيث تعكس نوبات الاضطراب خيبة الأمل التي يشعر بها كثيرون في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، إذ يلومون قادتهم على تجاهل مطالبهم بأنظمة أكثر إنصافا توفر الوظائف والحريات الاجتماعية والازدهار”.
وفي البداية، أعود إلى ما قاله الفيلسوف السياسي فريدريك انجلز في القرن التاسع عشر من أن الثورات تدخل في اتجاهات غير متوقعة حتى أن من يقوم بالثورة أو بالمظاهرة يدرك عند اندلاع تلك الفوضى أنه ما كان هذا هو ما خُطط له وأن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. ويبدو أن كلامه ينطبق على ما شهده العالم العربي من مظاهرات عُرفت باسم الربيع العربي.
قبل سبع سنوات ، اجتاحت موجة عارمة من الاحتجاجات المشرق العربي وشمال أفريقيا مطالبة بالتغيير ومكافحة الفساد. مرت تلك السنون العجاف، وقلبت موازين الدول وعصفت زلازل سياسية واقتصادية خلفت وراءها الدمار حتى أنها أخذت من خطط لها الحيرة والذهول من آثارها التي تجاوزت سقف التوقعات من هدر الدماء وتدهور الوضع الاقتصادي للدول التي شهدت “ربيعا” ما أزهر إلا دمارا وموتا.
ووفق دراسات سكانية حديثة يظهر الشرق الأوسط في قلب الاضطرابات بسبب العطالة الكبيرة بين الشباب العربي عن العمل لفترة طويلة. المشكلة كما تشير دراسات دولية أن أعداد الشباب في العالم العربي في ازدياد مظطرد مع ثبات أو قلة عدد الفرص الوظيفية التي لا تواكب تلك الزيادة. وهذه المشكلة تعاني منها دول منها الاردن.
تشير تلك التقارير الدولية إلى أن كلفة الربيع العربي حتى نهاية عام 2017 بلغت 844 مليار دولار تشمل تكلفة إعادة البناء وخسائر الناتج المحلي  بما في ذلك السياحة واللاجئين، وخسائر أسواق الأسهم والاستثمارات والعقارات. وأشار تقرير صادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة أن خسائر دول الربيع العربي منذ العام 2011-2015 فقط وصلت 614 مليار دولار وهي ما يعادل 6%  من الناتج المحلي الاجمالي في الشرق الاوسط في تلك الفترة.
وتبين تقارير أخرى أن حجم الدمار الكامل للبنى التحتية في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا وصلت حتى نهاية العام 2017 نحو900 مليار دولار، و 30 مليون عاطل عن العمل، و 22 مليون ما بين لاجئ ونازح مع الاشارة الى ان كلفة الفساد في العالم العربي وصلت 1.2 تريليون دولار مع ارتفاع في الامية بين العرب وصلت قرابة 15% وهي عالية مقارنة بما كانت عليه قبل 2011.  كما أظهرت التقارير الحديثة أن هناك 70-75 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر المدقع مع زيادة في معدلات الفقر في العامين الأخيرين بنسبة 60%.
وخير دليل على تلك المخاطر أن صندوق النقد الدولي ممثلا برئيسته كريستين لاغارد كانت قد صرحت في يناير 2017 أن على الدول العربية تسريع خلق الوظائف. فقالت مديرة الصندوق: “السخط العام الذي يغلي في بلدان عديدة تذكرة لنا بأن المزيد من الإجراءات الأكثر إلحاحا مطلوبة”، وأضافت أن  27 مليون شخص سيدخلون القوى العاملة العربية في السنوات الخمس المقبلة ما يعني أنه ما لم تحل مشكلة البطالة بما يتناسب مع زيادة اعداد الشباب وتوفير فرص عمل مناسبة لهم فإن هناك ربيعا جديدا في الانتظار. وهذا ما بشرت به الصحيفة البريطانية التي ترى أن َ التحدي الذي يواجه الحكومات العربية هو جذب الاستثمارات إلى القطاعات االتي تخلق فرص عمل مثل القطاعات الصناعية لا القطاعات التحويلية.
المهم في الموضوع أن تلك الصحف وخاصة الانجليزية المقربة من أجهزة الاستخبارات والمخابرات تعي ما تقوله. وحين تحذر من أمر ما فإن بوادره بدأت تلوح في الافق واليوم نشهد في بعض المناطق في “الوطن العربي” بدايات عصيان مدني إذ ما عاد المواطن يخشى الحكومات لأنه باختصار ما عاد لديه ما يخسره.
فعلينا أخذ ما نشرته تلك الصحف ومنها “نيويورك تايمز” التي حذرت في نهاية يناير الماضي من مغبة ربيع عربي بنهكة أخرى وهي هنا تستبق ما قالته الصحيفة الانجليزية ولكنها تحذر من أن الربيع القادم سيكون كالشرر لا يبقي ولا يذر. فعلينا معالجة جذور المشكلات لا قشورها وعلينا الاهتمام اكثر بمَواطن الخلل لتفادي انفجار الربيع الذي تغذيه أياد خارجية مستغلة الاوضاع الداخلية في كل دول المنطقة.
 
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

لا صوت للنواب!!

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – منذ 14 أيار وبعد فض الدورة البرلمانية الأولى …