السبت , سبتمبر 21 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

المتاجرة بأوجاع الناس.. صورة المتبرع على علبة الزيت!

أسامة الرنتيسي –
 
معظم نواحي حياتنا يخضع للمتاجرة والبزنس، أبشع أشكاله المتاجرة الموسمية بأوجاع الناس، خاصة اللاجئين في المخيمات، المحاصرين بالجوع والقتل.
المتابع للفضائيات العربية ـ بالمجمل ـ يلمس سلوكات تستغل حالة التديّن التي يعيشها الناس، بفرض أنماط غبية لطلب المساعدات بعضها لجهات ومؤسسات طبية، وبعضها الآخر لفقراء عضّهم الجوع.
في أكثر من فضائية عربية، خاصة المصرية، هناك حالة من استجداء المساعدات تسيء لشعوب وبلدان، أكثر مما قد تحصل عليه من مساعدات.
لا أحد ضد تقديم المساعدات للفقراء والمؤسسات الطوعية التي تقدم العلاج مجانا للفقراء، ولا أحد يستطيع الصمود أمام دمعة يستجدي ذارفها المساعدة بعد أن أوجعه وقضم جزءا من جسده مرض السرطان، لكن أن يتم ذلك عن طريق بعض الفنانين والفنانات الذين يهبط عليهم التدين فجأة، والدراويش الذين يلبسون عمامات التقوى لإثبات حالة الورع، ولاعبي الكرة الذين يتحولون الى سفراء للإنسانية، فهذا يسيء للفقراء ويسيء لرسالة هذه المؤسسات الإنسانية ودورها في المجتمع.
في النصوص الشرعية: يجب ألا تعرف يدك اليمنى ما تقدمه اليسرى من إحسان ومساعدة، أما في الزمن الفضائي فأصبحت هناك حالة إلكترونية للشحدة تنسجم مع التطورات العصرية، فهناك أرقام حسابات تظهر على الشاشة، وهناك طرق عديدة لإيصال المساعدات والزكاوات.
في رمضان الماضي كانت آخر الاختراعات الفضائية، ما يطلبه إعلان على أكثر من فضائية وفي ساعات الذروة، لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ‘الأونروا’ المدعوم من إحدى شركات الاتصالات الكبرى الذي يطلب ‘إرسال كلمة امرأة لتساعد لاجئة بتأسيس عملها الخاص’. أو ‘أرسل كلمة تعليم لتهب لاجئا منحة دراسية’. أو ‘أرسل كلمة طعام لإطعام أُسرة لاجئة’.. إلخ.
تكلفة الرسالة دولاران فقط. هكذا ينتهي الإعلان الذي تظهر فيه بدقيقة واحدة أحوال اللاجئين في أكثر من مخيم فلسطيني في لبنان، ابتداءً من صور لأنقاض مخيم نهر البارد، وصولا إلى صور من مخيم شاتيلا، ومن بعدها لقطة لفتاة تضيء القنديل وتغني باللغة الإنكليزية ‘إنها حقا لحياة رائعة’! الإعلان مؤثر جدا، وصور الأطفال ينتعلون ‘الشحاطات’ وتحت المطر، وبرفقة موسيقى غربية خفيفة نظيفة على السمع ‘دادادادا….إنها لحياة رائعة رائعة’، سوف تحصل على تعاطف الجميع، لكن أموال هذا الإعلان ستعود لوكالة الغوث التي تعاني أزمة مالية نسمع عنها منذ سنوات، تصل الى التهديد بإيقاف أعمالها في مناطق عديدة، لهذا تتوجه الأونروا إلى العرب لطلب المساعدات بدلا من مطالبة الأمم المتحدة بتمويل مشروعاتها في المخيمات الفلسطينية.
يحتاج الفقراء في كل البلدان الفقيرة الى المساعدة، وهذا شيء تدعو إليه الشرائع السماوية والرسالات الإنسانية جميعها، لكن لا أحد يقبل أن تتم المتاجرة بأوجاع الناس، وتضخيم المساعدات التي تقدم لهم. هناك مؤسسات محترمة تقدم المساعدات ولا تتفاخر بها، وهناك جهات تتسابق الى التبرع من أجل إدامة حياة الفقراء، ولا تنتظر منة ولا تقديم الشكر، وفي المقابل هناك جهات تصل بها الحال الى وضع صورة المتبرع على علبة الزيت او كيس السكر، عند تقديمها لعباد الله الفقراء.
الدايم الله….

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

صدمات انتخابية

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – بالله عليكم ما حد يزعل، وخذوا الانتقاد بروح …