د. شهاب المكاحله – واشنطن-
قبل أيام أطل علينا الرئيس الاميركي بتصريح مفاجئ من ولاية أوهايوحين أعلن أنه سيسحب قواته من سوريا قريبا جدا دون أية تفاصيل عن ماهية الانسحاب وتأثير ذلك على دول مثل الأردن والعراق ولبنان وتركيا وحتى إسرائيل. لماذا هذا التوقيت؟ وهل كان ذلك من أجل التعمية على الصراع العربي الاسرائيلي وصفقة القرن التي تطبخ عل نار هادئة؟
هل يعود ذلك التصريح لابتزاز دول المنطقة للحصول على المزيد من الأموال لدفع مخصصات الوجود الاميركي في سوريا والعراق ودفع رواتب للعاملين هناك والمؤلفة قلوبهم؟
هكذا تصريحات من رئيس دولة عظمى لا يمكن التنبؤ بتصرفاته تعني أن هناك قرارا فعليا بالتراجع وترك سوريا لأن وراء الأكمة ما وراءها رغم أن ترامب قد أحاط نفسه بعدد من صقور الحرب الذين لا بد سيحدثون ضجيجا داخليا وخارجيا.
ما يثير الارتياب هو التوقيت الذي أعلن فيه ترامب قراره الانسحاب من سوريا وترك الميدان؟ تصريحات الرئيس الاميركي تأتي مغايرة لم كان وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون يصرح به بين الفينة والأخرى. فقد أعلن تيلرسون أكثر من مرة أن القوات الأميركية ستبقى لوقت طويل في سوريا، حتى إن بعض المصادر أشارت إلى احتمالية زيادة عدد القوات الموجودة هناك من 2000 إلى 6000 عسكري.
بعضهم يرى أن تصريحات ترامب مضلله وأنه لا يريد الانسحاب من سوريا ولكنه يريد المزيد من المال لابتزاز دول المنطقة لا سيما وأنه قد أعلن أن بلاده قد أنفقت أكثر من7 تريليونات دولار في العراق ولم تحصل على شيءٍ في المقابل. كما أن وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو يرون أن الانسحاب المبكر من سوريا ليس في صالح واشنطن وحلفاؤها في المنطقة.
ما يثير الانتباه في تصريح ترامب هو أنه سيترك “المهمة في سورية الى الآخرين” حسب قوله. فمن كان يقصد بكلامه هذا؟ الروس وحلفاؤهم الايرانيون والجيش السوري؟ أم الأكراد أم نسخة جديدة من التنظيمات الارهابية أو دول اقليمية لها مصالح في ما يجري في سوريا؟
إذا صدق ترامب فيما قاله بأن بلاده ستسحب قواتها من سوريا فإن ذلك يعني مواجهة حقيقية بين إيران والولايات المتحدة بشكل علني في ساحة اقليمية أخرى وليست في الاجواء الايرانية لذلك فهو يسعى لفتح جبهة عسكرية بعيدا عن السيناريوهات المتوقعة. وقد يكون قد توصل الى اتفاق ما مع موسكو: سوريا لروسيا والعراق للولايات المتحدة أو أنه يسعى فعلا للتغطية على مسلسل الفضائح الذي طال إدارته في قضايا تخص الشرق الأوسط وحملته الانتخابية والتمويل الاقليمي له للتأثير على قرار الناخبين الاميركيين.
فهل يريد فعلا لفت الانتباه الى أن الشأن الداخلي وتطبيق شعار “أميركا أولا”؟ أم أنه يريد كسب قاعدة شعبية له لتشتيت الاعلام عن التركيز على مثالبه السياسية والتي أثرت على مكانة بلاده دوليا؟
من المستفيد من الانسحاب الاميركي؟
قال مركز الدراسات الأوراسية والروسية إنه “في حالة انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، فإن روسيا سيكون لها اليد العليا، وستتعرض القوات التي تحارب نظام الرئيس السوري بشار الأسد لحالة من الضعف. لا أحد يعرف فيما كان يفكر الرئيس عندما أعلن هذا القرار”.
ووفق ما يراه المراقبون في واشنطن فإن انسحاب القوات الاميركية سيمنح روسيا الفرصة “لتكون اللاعب الأكبر في المنطقة” وسيصب في مصلحة الإيرانيين لأنه في حال انسحاب القوات الأميركية من قاعدة “التنف” السورية، فستتمكن طهران من انعاش آمالها بالطريق البري بين إيران والعراق وسوريا ولبنان الى البحر المتوسط ما يزيد من نفوذها الاقليمي. كما أن الحكومة السورية ستستطيع من خلال الانسحاب الاميركي استعادة منابع النفط والغاز في الصحراء السورية ما يمنحها المزيد من المزايا الاقتصادية وينعش اقتصادها ويعيد ثقة المواطنين السوريين بالنظام من جديد.
ويشار هنا إلى أن كبار مساعدي ترمب للأمن القومي قد بحثوا الوضع في سوريا خلال اجتماع بالبيت الأبيض بعيد إعلان ترامب الانسحاب من سوريا لكنهم لم يستقروا بعد على استراتيجية للقوات الأميركية في سوريا. ولم يصدر ترامب حتى هذه الساعة أمرا بالانسحاب من سوريا وقد يكون كل ما قاله من قبيل الابتزاز المالي الذي اعتاد عليه ليس كسياسي بل كرجل أعمال مستغلا زيارات المسؤولين الخليجيين لواشنطن هذه الفترة وفي الفترة القادمة ومستغلا الخلاف الخليجي.
المهم في الموضوع أن التصريح قد يكون من قبيل التغطية على صفقة القرن وعلى مسيرة العودة لإلهاء العرب بقضية أقل أهمية من القضية المصيرية وهي قضية القدس وفلسطين وإشغالهم بقضية الانسحاب من سوريا لأن الوضع العسكري للجيش الاميركي هناك غير مجد من الناحية الاستراتيجية.
الوسومالأول نيوز الانسحاب الاميركي من سوريا شهاب المكاحله
شاهد أيضاً
مطلوب في يوم المرأة أكثر من بيانات باهتة!
أسامة الرنتيسي – الأول نيوز – فعليا؛ لم تعد الاحتفالات والأَعْيادُ الأممية ـ يوم …