فتحي خطاب –مصر-
باختصار.. هذه قصة «صنمّ» رابعة، تحت البالطو الأبيض..ولكن
.. قبل تفاصيل القصة، هناك سؤال، أصبح أكثر إلحاحا.. وهو: ما هي العلاقة بين وفاة طبيب كان عاشقا للكتابة، وبين الانتخابات الرئاسية في مصر ؟! بالطبع لا علاقة مطلقا .. ولكن جماعة الإخوان في مصر وليبيا وسوريا وتونس ـ وربما في الأردن..لا أعلم صراحة ـ رددّوا مزاعم أن الحشود التي ودعت الأديب الطبيب أحمد خالد توفيق، الأسبوع الماضي 2 إبريل/ نيسان، وخاصة من الشباب، كانت أكثر عددا، وأكبر حجما، من الحشود أمام لجان الانتخابات الرئاسية !!
ومن المعروف أن الدكتور أحمد عضو هيئة تدريس في كلية الطب جامعة طنطا، وله طلابه بالمئات، وهو أيضا من أبناء طنطا، ومن الطبيعي أن يودعه المئات من أبناء مدينته ومن زملائه وطلابه ..
ولكن «الإخوانجية» كان لهم رأي آخر حين أقاموا للكاتب الراحل ومنذ اللحظة الأولى لوفاته، مهرجانا إعلاميا ملحوظا، ونصبوا سرادق عزاء أقرب لطقوس الفاجعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي يجيدون اللعب على ساحاتها، وكأن مصر تودع أديبا على وزن طه حسين مثلا ، أو العقاد، او محفوظ، أو الحكيم، أو إدريس، أو أحد عباقرة القوة الناعمة لمصر.
وشاركت طائفة «الإسلامجية»،جماعة «الإخوانجية»، في لعبة «مهرجانات الرثاء» للراحل، باعتبار أنهم أبناء عمومة في التيار، وأن «الإخوانجية» هم الجذور و«الأم» لتيار الإسلامجية..وليس غريبا أن ينساق معهم على الطريق كل من يناصب النظام العداء لأسباب لا تتعلق بالطبع بمصلحة مصر، ولكن بمصالحهم ومكتسباتهم الشخصية، وهذه مسألة يطول شرحها بالتفصيل!! والمثير للدهشة أن ينضم معهم في مهرجان سرادق الرثاء الإعلامية، «طائفة فلول مبارك»، بعضهم عن جهل، لأنه لا يقرأ أساسا.. وبعضهم عن قصد يكشف ما تخفي الصدور ( قلت أكثر من مرة للمقربين من الرئيس السيسي، إن الفلول وخاصة من الإعلاميين الذين يضعهم النظام حاليا في حضنه، هم أكثر كراهية وأشد خطرا على النظام من الإخوان أنفسهم ).
الأديب الراحل الدكتور أحمد خالد، اشتهر بقصص الرعب والخيال العلمي، أو ما يطلق عليه «أدب الفانتازيا» ، وهو سرد أسطوري يجد انتشارا بين الشباب، وأكاد أجزم بين الشباب المراهق فقط .. ولكن «الإخوان» نسبوا له، الريادة فيما وصفوه بـ «أدب الرعب والخيال العلمي»، وأنه أول من كتب في هذا المجال في مصر.. وزادوا على ذلك، بل في العالم العربي!! وهذا ليس صحيحا.. هناك مثلا «نهاد شريف»، وكان له السبق في ريادة أدب الرعب والخيال العلمي، ومن مؤلفاته: رواية (قاهر الزمن) ، (الشيء)، (الذي تحدى الإعصار)، (تحت المجهر)، (بالإجماع) ، (رقم 4 يأمركم)، ( سكان العالم الثاني) ، و(الماسات الزيتونية).. وفي سوريا مثلا ، طالب عمران، الذي أثرى المكتبة العربية بأكثر من سبعين رواية وقصة في الخيال العلمي والرعب.. وفي مصر أيضا الكاتب حسن الجندي، وفي وقت كان يتعجب الناس حين يطلب أحدهم وضع كلمة أدب رعب على غلاف الرواية.. بل إن بعض الباحثين يذهبون إلى اعتبار نص (حي بن يقظان) لابن طفيل، ورسالة الغفران للمعري ، و«رسالة التوابع والزوابع» لابن شهيد، ضربا من الخيال العلمي ما دام فيها رحلة إلى عوالم غريبة.
ولكن أدوات «الإخوانجية» الثقافية والإعلامية، وهي معروفة داخليا وخارجيا، (ولا أعلم هل الدولة تتجاهلها عن قصد أو جهل، وبعضها ملء السمع والبصر في مصر..سؤال يحيرني كثيرا !! )، المهم أن تلك الأدوات التي روجت لإنفراد الطبيب الراحل أحمد توفيق، بالريادة الأدبية، وجدت ابداعاته الحقيقية في مقالاته التي تصنّم غالبا فك اعتصام رابعة العدوية..(وكان اعتصاما ارهابيا بكل معاني الكلمة، وأسألوا سكان مدينة نصر، وقد كتب عليهم الحصار الإخواني، وسلوكيات الإسلامجية شبه البدائية على مدى 48 يوما، وكنت شاهدا على تلك الوقائع المرعبة، و«المقيتة» في نفس الوقت !!)
وصورة الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، تجسدت في دفاعه عن الاخوان.. ولم يعرف عنه أنه هاجم يوما الارهاب، أو انتقد ـ على الاقل ـ المذابح والعمليات الإرهابية التي تضرب مصر، ومثلا مذبحة مسجد الروضة في سيناء في يوم جمعة مبارك.. ولم يقل كلمة واحدة عن حرق وتدمير أكثر من 120 كنيسة على يد «الإخوانجية» وأنصارهم من «الإسلامجية»، وبالطبع لم يلفت انتباهه حادث مذبحة كنيسة العذراء، ولا الكنيسة البطرسية، وغيرها من جرائم ومذابح استهدفت أبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وداخل دور عبادة لله!! بينما يقال إن من يمتهن فنون الأدب فهو صاحب مشاعر إنسانية راقية.. ولكن الأديب والكاتب الراحل لم يهتم بكل هذه الجرائم الوحشية، والمذابح النازية، والحرائق الشيطانية ..ولكنه كان محافظا فقط وبإصرار غريب عحيب على دعم الاخوان .. وللقارىء هذه عينة مما كان يكتب:
أولا .. ومع استفتاء الفتنة في مصر (استفتاء التعديلات الدستورية) الذي شهد رفع لافتات وشعارات «إسلامية .. إسلامية»،الاستفتاءالذي شهد انقساما واضحا بين «نعم» و «لا»،بين المسلمين والمسيحيين، وقيل إن «نعم» إسلامية ، و «لا» شيطانية علمانية، مما كان يهدد ثورة 25 يناير، حين وقف أحد مشايخ السلفيين «حسين يعقوب» يقول: «البلبد بلدنا واللي مش عاجبه يرحل عنها»!! وقال غيره من طائفة الاسلامجية «هذه غزوة الصناديق من أجل مصر الإسلامية» .. وعن هذه الفتنة كتب الكاتب والطبيب الراحل أحمد توفيق بتاريخ 22 مارس/ آ1ار 2011 :
((رغم أن عملية الاستفتاء تمت بسلاسة ونظام في معظم الأماكن، فإن هناك من أعطى الموضوع صبغة دينية، وقد قال الإخوان المسلمون – ومنهم أصدقاء أثق فيهم فعلاً – إنهم غير مسئولين عنه، وعلى فكرة أنا اخترت نعم لقناعاتي الخاصة، وكان الهجوم على الإسلاميين عاتيًا في مقالات كثيرة، ليس لأنهم استعملوا شعارات دينية، بل لأن (نعمهم) فازت ))!!
وبعد فض اعتصام رابعة العدوية، وكان اعتصاما عدوانيا على مؤسسات عسكرية منها الحرس الجمهوري ووزارة الدفاع.. قام الاخوان ومن معهم من الاسلاميجية بحرق الكنائس وبث الرعب في شوارع القاهرة، والمحافظات المصرية ، والمشاهد التي نقلتها الفضائيات مباشرة موجودة لمن يريد ان يبحث عنها عبر شبكة الانترنت، وأن يعيد مشاهدتها.. ومعها أيضا مشاهد نازية بعد فض اعتصام النهضة، وهي مذبحة بربرية في قسم الشرطة في حيّ كرداسة بالهرم، بقتل قوة المركز، وحين طلب مأمورالقسم، وهو ينازع نفسه الأخير، أن يشرب قدموا له «ماءنار».. وفي هذه الأجواء الإرهابية المرعبة كتبت صحيفة التحرير:
- (( اعتذر الكاتب والروائي أحمد خالد توفيق، اليوم الأربعاء، عن عدم كتابة مقاله الأسبوعي في احد المواقع الإليكترونية «حدادا» على قتلى أنصار جماعة الإخوان، الذين قتلوا أثناء فض قوات الأمن لإعتصامي ميداني النهضة ورابعة العدوية)) !!!!
وحين رحل د. محمد البرادعي عن الحكومة، وكان نائبا لرئيس الوزراء، تاركا بلده في أزمة المواجهة مع الإخوان، بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، ونجاح فض اعتصامي رابعة والنهضة.. ثم قاد البرادعي من الخارج حملة هجوم على وطنه.. كتب أحمد توفيق:
- (( أعترف انني شديد الإعجاب بالبرادعي، وقد يختلف معي كثيرون، لكني بالفعل أرى أن الرجل ذو نظرة ثاقبة وصبر، وعقل راجح يزن بلدًا، هم يريدون أن يشتموه ويمزقوا سمعته، ولن ينجح أي منطق في جعلهم يتنازلون عن هذه الشهوة، كما لن ينجح أي منطق في إقناع كلب بأن يتخلى عن العظمة التي يلتهمها )) !!!
وكتب في 18 أغسطس / آب 2014 :
- (( عزاء حار لضحايا مذبحة الأربعاء..لن تختلف أبدًا حول كون ما حدث يوم أربعاء الرماد مذبحة كاملة، ولو لم تعتبره كذلك فأنت حر.. فى زمن يتهمون فيه البرادعى بأنه خلية إخوانية فأنت حر.. رأيت رجال شرطة حليقى الوجوه مبتسمين يطلقون الرصاص فى مرح كأنها رحلة صيد بط.. لكن هل كل من ماتوا كانوا مسلحين؟ كل من مات قد ترك ثلاثة يريدون الانتقام بأى ثمن))!!
- (( سالت دماء غزيرة معظمها من مؤيدي مرسي أو الرابعاوية، وظهر شعار رابعة الشهير، ولوحق أمنيًا حتى على مساطر الطلاب، حتى أننى صرت أحذر الناس من حادث يبتر إصبعهم الإبهام حتى لا يذهبوا (فى ستين داهية).. لقد دخلت مصر فى ذلك العام عصرًا جديدًا من الإرهاب يذكرك بالسيناريو الجزائرى بلا شك، ولا شك أن هذا بدأ بعد فض الاعتصام وليس قبله.. العنف سوف يستمر ما لم يتم تحقيق واضح صريح فى مجزرة رابعة وميدان النهضة)) !!!.
وكتب أيضا قبل ثلاثة أعوام:
- (( مؤخرًا وبعد فترة توقف طالت، جاءت رواية «جمهورية كأن»، للدكتور علاءالسواني، وجمهورية كأن هي في النهاية الجمهورية التي يبدو فيها كل شيء كأنه حقيقي بينما هو وَهْم..على السطح هناك مؤسسات وبرلمان ودستور ومحاكم. بينما لو دنوت لوجدت كل شيء كأنه كذلك.. وهناك كذلك أجزاء في الرواية مثل تعرية ضباط الأمن لزوجات المساجين، يحكيها بالتفصيل الشديد لدرجة أنك تجد أن بعض السادية يتسرب لنفسك!وإن لم تخني الذاكرة لا يوجد نموذج واحد في الرواية يمثل الاتجاه الإسلامي المستنير!! وعلى كل حال كنت أتمنى أن تتضمن القصة 30 يونيو ورابعة ..علاء يكره الإخوان بعنف لكننا كنا نطالبه بالعدل )) !!!
وفي 22 فبراير/ شباط 2018 .. كتب :
- (( في أسبوع واحد صاخب ارتجت الأرض تحت عدة زلازل. أولها زلزال هشام جنينة الذي تكلم وتخلى عنه الجميع، وقد رأينا كيف طار عنق توماس مور لأنه رفض أن يقول كلمة للملك هنري الثامن، لكنني بالنسبة لهشام جنينة أقول: ليته لاذ بالصمت. مصر تتجه نحو نوع من (الكورنة الشمالية) بوضوح تام.. فليتول الله الأجيال القادمة. لدينا مشاكل الجزر ومشاكل الغاز الذي بددناه ومشاكل النيل الذي ضاع ومشاكل تركيا وقطر اللتين صارتا هما العدو الوحيد. ومشاكل الديون التي لا تدري متى ولا كيف يتم تسديدها. لقد تم تخريب مصر ومستقبلها بشكل نشط محكم بحيث تحتاج لمائة عام كي تعود مرة اخرؤى، وفي كل الظروف أعتقد أن مصر ستنفد خلال أربعة أعوام أخرى))!!!
ومثلا .. كتب في 19 أغسطس / آب 2017 :
أغسطس شهر دموي يعج بذكريات المذابح؛ ومنها قنبلة هيروشيما التي قتلت مئات الألوف من اليابانيين، ومنها مذبحة تل الزعتر عام 1976 ، ومذبحة الغوطة عام 2013 وهي (
- (( أغسطس شھر دموي یعج بذكریات المذابح؛ ومنھا قنبلة ھیروشیما التي قتلت مئات الألوف من الیابانیین ، ومذبحة الغوطة عام 2013 وھي أقرب مثال للحرب الكیماویة یعرفھ العالم المعاصر، وبالطبع مذبحة رابعة في مصر التي یبدو ً واضحا أن دماء من قتلوا فیھا قد راحت ھباء كأنھا كانت رحلة لصید البط كللت بالتوفیق، فلم .یتم إجراء أي تحقیق جدي وتم تدمیر الأدلة ربما یتم التحقیق ً یوما ما بعد عشر سنوات أو أكثر وربما لا. على كل حال یصعب أن تطالب الداخلیة بتقدیم أدلة تثبت تورط الداخلیة !. إنھا لعنة الدم حلت بمصر منذ ذلك الوقت ولن .تنھض مصر ما لم یعد العدل )) !!!
أتصور.. أن كل ما سبق يرسم صورة واضحة للطبيب الأديب الراحل .. رحمه الله ، كان صادقا في حبه وانتمائه لجماعة الإخوان، كما كان مبدعا في «تصنيم» اعتصام رابعة الإرهابي .. وكان مشحونا بكراهية النظام الذي قام بتنفيذ إرادة شعبية كاسحة بإزاحة الرئيس الإخواني، محمد مرسي، وخلع حكم الإخوان، إلى غير رجعة .. إلى غير رجعة .. إلى غير رجعة.