فتحي خطاب – مصر –
الواقعة بتفاصيلها الصريحة، جاءت خلال مؤتمر صحفي عقده الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب إجراء محادثات بينهما في واشنطن، الثلاثاء 24 إبريل / نيسان الماضي .. ووجدها ترامب فرصة ليعلن أمام العالم، أنه يطالب الدول الخليجية بنشر قواتها في سوريا، ودفع المزيد من الأموال لطرد الإرهابيين منها !! وقال ترامب بوضوح «وقح» كالعادة، وحسب نص كلماته: ( إن الدول الخليجية لم تكن لتكون غنية لولا حماية الولايات المتحدة، ولا يمكن لنا أن نستمر في دفع التكلفة المرتفعة لتواجدنا العسكري في المنطقة، فقد دفعنا أكثر من 7 تريليونات دولار، ولم نحصل على أي مقابل) ؟!
ويضيف «ترامب» بكلمات حادة قاطعة حاسمة، جعلته أقرب لصورة «القرصان» أو حامل مسدس: ( إن الدول الغنية جدًا في المنطقة ستدفع المزيد من الأموال في سوريا، ولن نستمر في الدفع، وأريد أن يعود جنودنا إلى الوطن، الدول الخليجية ستدفع وتدفع ) !! .
وإذا كان الرئيس الأمريكي ـ والحق معه ـ يتصور نفسه (الكفيل العسكري) للدول الخليجية، وبناء على تاريخ طويل، ربما قبل عهد الرئيس الأمريكي (روزفلت) منذ اكتشاف النفط في المنطقة.. إلا أن التوجه لضرورات تشكيل ( الكفيل العسكري العربي) كان مطروحا أمام القمة العربية في دورتها السادسة والعشرين بمدينة شرم الشيخ، في شهر مارس/ آذار 2015، ممثلا في مبادرة الرئيس السيسي، بتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة.. وصدر بالفعل قرار القمة العربية بتشكيل القوة المشتركة وتحديد مهامها ومصادر تمويلها.. وعقد رؤساء أركان الجيوش العربية اجتماعا بمقر الجامعة العربية، يوم الأربعاء 22 أبريل/ نيسان 2015 ، لتفعيل قرار القمة العربية، وشدد رؤساء الأركان على أهمية تشكيل هذه القوة لتمكين الدول العربية من التعامل بفاعلية مع التحديات الراهنة والاستجابة الفورية لمعالجة الأزمات التي تنشب في المنطقة، وأن الهدف من تشكيل هذه القوة هو القيام بعمليات التدخل السريع التي تهدف إلى توظيف هذه القوة لمنع نشوب النزاعات وإدارتها، وإيجاد التسويات اللازمة لها، وكيفية استخدامها بما يحفظ استقرار الدول العربية وسلامة أراضيها واستقلالها وسيادتها.
وقرر رؤساء أركان الجيوش العربية، دعوة فريق رفيع المستوى للعمل تحت إشرافهم، لبحث آليات تشكيل القوة العربية المشتركة، وعلى أن يقوم الفريق بعقد اجتماعه خلال أسابيع قليلة، على أن تعرض نتائج أعماله على اجتماع مقبل لرؤساء أركان الجيوش للدول العربية الأعضاء بالجامعة العربية.. وبالفعل عقد رؤساء أركان الجيوش العربية، اجتماعهم الثاني يوم الأحد 24 مايو/ آيار 2015، بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية لدراسة مشروع البروتوكول الاختياري لإنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة، والذي يتضمن مهام هذه القوة، والموازنة الخاصة بها، وتشكيلها ، والهيكل التنظيمي والإداري لها.
وفي اللحظة الأخيرة (كما كان متوقعا) تكفلت دولتان عربيتان خليجيتان، إحداهما كبرى، والثانية «أصغر من الصغرى» باجهاض المشروع ، رفضا للكفيل العربي الذي يتعارض مع توجيهات وامتيازات الكفيل الأجنبي .. وربما كان هناك سبب آخر «في نفس يعقوب » يتعلق بمصر، وخشية أن يكون لها الدور المؤثر والنافذ والكلمة العليا، من خلال خبراتها وقدراتها العسكرية داخل القوة العربية المشتركة .. بينما قال مسؤول مصري، أثق في معلوماته، إن واشنطن كان لها رأي آخر في مسألة القوة العربية المشتركة، وتحسبت لكافة الاحتمالات في المستقبل داخل المنطقة، وأوعزت لأصدقائها ( من عرب الصحراء) بتجميد الفكرة من أساسها، وأجهاض مشروع القوة العربية المشتركة .. وهو ما حدث بالفعل !!
كان واضحا أن الأشقاء من «عرب الصحراء»، أشد حرصا على دور (الكفيل العسكري الأمريكي)، ربما مراعاة لنفوذه المتسلط ـ وفيما اتصور أن هذا ما حدث بالضبط ـ وهذه الحالة، أو الصورة الشاملة في الزمن الراهن، لـ «حامل المسدس» الذي يتصور نفسه «الكفيل العسكري» للدول الخليجية، قد تأملها أستاذنا الكبير الراحل «هيكل»، منذ سنوات ، ووضع توصيفا دراميا مبدعا لها، وقد أجاد بالفعل التعبير عن الإحساس الغريب الذي يراودنا في تلك اللحظة من الزمن الجاري .. إحساس بأننا جميعا في العالم العربي ركاب على طائرة مخطوفة .. والطائرة الضخمة تدخل وسط العاصفة ، الجو يغيم ، السحب المشحونة تتصادم، البرق يلمع بقرب الأجنحة كأنه لسعات سوط له أكثر من لسان.. والمشاعر تتوتر في الطائرة، والأعصاب مشدودة، والقلق يمسك بالأنفاس ..الطائرة مخطوفة وعلى الكل أن يلزم مكانه ولا يتحرك، ولا أحد يسألنا في شيء، ولا نحن قادرون على أن ننطق بشيء.. والعاصفة عاتية والخطر مجنون، والمصير علمه عند الله ، ونحن في طائرة مخطوفة بين السماء والأرض يتحكم فيها حامل مسدس !! صورة مفزعة ومع ذلك فهي قريبة من واقع الحال الذي نعيش فيه!؟!
والعاصفة ما زالت تلعب بالطائرة المخطوفة .. ونحن جميعا في العالم العربي ــ ركاب هذه الطائرة ــ نعرف جيدا كيف وصلنا إلى هذه الحال ؟ وكيف فقدنا السيطرة على الطائرة وعلى كيفية اتخاذ القرار وعلى وسائل فرض القرار .. وركاب الطائرة المخطوفة ــ يأسا أو عجزا أو استسلاما للواقع ــ قد فوضوا أمرهم للمصادفات، ربما تحمل إليهم ما لم يخطر على بال، حتى تتجاوز الطائرة سحب الأزمة، وحتى ينتظم خط سيرها في الفضاء العالي !!
وهناك توضيح آخر للظروف والأحوال العربية.. ومن وجهة نظر العالم الراحل الدكتور أحمد زويل ، في احدى ندواته بدار الأوبرا المصرية، بأن العرب أصبحوا خارج «الملاعب» .. وأن المتاح والممكن أمامهم هو اللعب في «الحواري والأزقة»، وأن أحد المفاصل الأساسية في أوضاعنا ، أننا أصبحنا خارج الملعب الرئيسي .. وهو يرى أن العرب بلا وجود على خريطة العالم ، حتى أن الغرب أصبح يضعهم ضمن صحارى أفريقيا علميا وفكريا ، وأن المشكلة الأخطر أن المجتمع العربي أصبح وزنه ثقيلا وجسده مترهلا للغاية .. وبمعنى أن العرب كدسوا الدولارات في جيوبهم ، واللحوم والدهون في أجسادهم ، ولم تعد لديهم القدرة
على الحركة والتطور، وأنه على المستوى العام تراكمت المشاكل السياسية والفكرية، وبالتالي أصاب الترهل كل شيء في حياتنا !!
الغريب .. بل والمضحك فعلا .. أن لغة الخطاب السياسي العربي تكثر فيه كلمة (نطالب)، بينما من يطالب يجب أن تكون لديه القدرة على أن يطالب ، وأن يكون عنده المنظومة التي تدفع الآخرين للاستجابة !!
الوسومالاول نيوز فتحي خطاب لعنة الكفيل العسكري الاميركي
شاهد أيضاً
وفد من البرلمان العربي يتوجه الجمعة في زيارة لمعبر رفح الحدودي
الأول نيوز – يتوجه وفد رفيع المستوى من البرلمان العربي، برئاسة محمد بن أحمد اليماحي، …