السبت , سبتمبر 21 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

في رمضان.. اللهم إني أتأمل مصير الأمة

د. شهاب المكاحله –

 
انتابتني حالة من التأمل في الاعوام الاخيرة لواقعنا العربي وحتى الاسلامي المرير. بل زادت حدة مرضي التأملي بحال امتنا التي استقبلت رمضان قبل أيام كنت خلالها في زيارة لدولة اوروبية. فما كان من صديقي الاجنبي الا أن قال لي: كيف تصومون وانتم مدميون؟ كيف تصومون وانتم ما عدتم اصحاب دين؟ كيف تصومون وانت تكذبون؟ كيف تصومون وانتم للأكل مولودون وللولائم حاضرون؟ كيف تصومون وفيكم فقارى ومساكين لم يعرفوا للسلم طعما ولم ينعموا بالنوم دون اصوات المدافع؟ كيف تصومون وتنامون وتقومون الليل وفيكم مرضى عجز الطب عن علاجهم النفسي لكثرة الزيف الاجتماعي والتخبط في هويتهم الانتمائية؟
بصراحة كانت اسئلة موجعة ولم اجب عنها.
لكننى نظرت الى الخيمة الزرقاء فوقي متأملا قدوم الشهر الفضيل وتذكرت قول الرسول الكريم: صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته. وتذكرت كيف الصيام والافطار يوحدان الامة ولكنهما ما عادا كذلك الا على الولائم.
تذكرت ابيات الشعر التي قالها الشاعر الاندلسي ابن الصباغ الجذامي، احتفالابمقدم هلال رمضان: 
هَذَا هِلالُ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانِ        بِالأُفْقِ بَانَ  فَلا  تَكُنْ  بِالوَانِي
وَافَاكَ  ضَيْفًا  فَالتَزِمْ   تَعْظِيمَهُ        وَاجْعَلْ  قِرَاهُ   قِرَاءَةَ   القُرْآنِ
صُمْهُ   وَصُنْهُ   وَاغْتَنِمْ    أَيَّامَهُ        وَاجْبُرْ ذِمَا الضُّعَفَاءِ بِالإِحْسَانِ
واليوم والحروب تشتعل على ارض عربية واسلامية فقط لا غير كم من متأمل في هذا الشهر لما يجري؟
إن غالبيتنا تصلي لرفع العتب وتصوم لانه لا مجال سوى الصوم ولسان حالهم حسب ما قاله الرصافي عمن يتهافتون على الطعام غير مبالين بالعواقب:
وَأَغبى  العالمِين   فَتى   أكُولٌ        لِفِطْنَتِهِ       بِبِطْنَتِهِ        انْهِزَامُ
إِذَا  رَمَضَانُ   جَاءَهُمُ   أَعَدُّوا        مَطَاعِمَ لَيْسَ  يُدْرِكُهَا  انْهِضَامُ
وَلَوْ أَنِّي اسْتَطَعْتُ صِيَامَ دَهْرِي        لَصُمْتُ فَكَانَ  دَيْدَنِيَ  الصِّيَامُ
وَلَكِنْ  لا  أَصُومُ   صِيَامَ   قَوْمٍ        تَكَاثَرَ  فِي   فُطُورِهِمُ   الطَّعَامُ
فَإِنْ وَضَحَ النَّهَارُ طَوَوْا  جِيَاعًا        وَقَدْ هَمُّوا  إِذَا  اخْتَلَطَ  الظَّلامُ
وَقَالُوا  يَا   نَهَارُ   لَئِنْ   تُجِعْنَا        فَإِنَّ   اللَّيْلَ   مِنْكَ   لَنَا   انْتِقَامُ
وَنَامُوا  مُتْخَمِينَ  عَلَى   امْتِلاءٍ        وَقَدْ   يَتَجَشَّؤُونَ   وَهُمْ    نِيَامُ
فَقُلْ   لِلصَّائِمِينَ   أَدَاءَ   فَرْضٍ        أَلا،  مَا  هَكَذَا  فُرِضَ  الصِّيَامُ
حاولت مرارا وتكرارا النظر الى شهر رمضان كراحة روحية تعيدني الى الطفولة بعيدا عن المعاصي والذنوب والأثام والظلم في شهر المغفرة والتوبة حيث تصفد الشياطين وما الشياطين التي نعرفها بشياطين بل تلك التي لا نعرفها من بني آدم المجبولين على النفاق وعلى الخداع والغش، الذين يعيشون فقط لبطونهم وفروجهم عبر موائدهم العامرة في وقت لا يجد الكثير ما يأكلون، عبر بيوتهم الفارهة التي تزينت بزينة رمضان والعيد وما بعدهما معا وهم مفطرون طوال الشهر. نعم، في رمضان تصفد الشياطين من الابالسة ولكن ما بال شياطين البشر؟
كم من فقير بات على لحم بطنه وموائد الكثير من العرب تزينت بما لذ وطاب وآخر الطعام النفايات. وإن سألتهم مساعدة قالوا لا حول لنا ولا قوة. منهم من ينام طوال العام ولكن يزيد نومه في شهر رمضان منذ الصباح الى اذان المغرب لأنه لا يطيق صوما ولا امتناعا عن الملذات هذا إن فكر في الصوم.  فالنهار نوم والليل لاتباع الشهوات وما لذ وطاب وما لم تره الاعين غير آبهين بالشعوب المسكينة التي ذبحت من الوريد الى الوريد بفضل رفع الاسعار وسياسة الاحتكار التي باتت اليوم شعار الاغنياء المتنفذين في السياسة: “معك قرش بتسوى قرش”.
إن تسألهم فهم صائمون وأفعالهم تقول ما لا يفعلون ولسان حالهم كما وصفه الشاعر الصابي:
يا ذا الذي صام عن الطعامليتك صمت عــن الظــلم
هل ينفع الصوم امرؤ طالما أحشاؤه مــلأى مــن الإثم
في عالمنا العربي والاسلامي نعيش في مسلخ: ابطاله بشر مطحونون بين حروب اقليمية ونعرات قبلية ومخططات طائفية وطموحات جيوسياسية. منهم من يتصل هاتفيا للفتوى في هذا الشهر الفضيل: هل الافضل المسواك ام فرشاة الاسنان يا شيخنا؟ وهل افطر على تمر أم ماء زمزم؟ وكأن هذه هي آخر مصائبنا.
لقد انشغلنا بهمومنا وتغمست ايدينا بدماء ابنائنا وانحنت رؤوسنا واهينت قِبلتنا ومقدساتنا في القدس والناطق الرسمي باسم بعض الحكومات العربية ليس وزراء اعلامها بل الناطق باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي الذي يبارك كل عام للمسلمين في اعيادهم ورمضانهم. يتحدثون عن ان الصيام في الدول العربية طويلة ساعاته وان الصيام في فنلندا 4 ساعات فقط لذا يؤثرون السفر الى فنلندا للصوم والعودة عند العيد الى بلادهم لأن بلاد العرب أوطاني.
أتامل واقعنا العربي والاسلامي بحزن ونحن نستقبل رمضانا ونودع آخر وحالنا ليس كحال باقي البشر ممن يعيشون بسلام آمنين بل نعيش على وقع المدافع وطعنات الخناجر وضربات السيوف وقطع الرؤوس وانهار الدماء.
أما آن الاوان ان نخلع رجسنا الابدي قبل التفكير في أيهما افضل فرشاة الاسنان ام المسواك؟ أما آن الأوان الكف عن سؤال: هل القُبلة من شاب او طاعن في السن في نهار رمضان حلال أم حرام سواء ؟ أضعنا وقتا طويلا في أسئلة لا تقدم بل أخرتنا أعواما وقرونا.
نعم حالنا عسير وصراعنا مرير مع اعداء لا يرحمون ولكن اخطرهم من ابناء جلدتنا.
وكل رمضان وانتم بخير

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

صدمات انتخابية

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – بالله عليكم ما حد يزعل، وخذوا الانتقاد بروح …