د. سليمان صويص –
الأول نيوز –
لا أؤمن بالخرافات والخزعبلات.. ولا بالمؤامرات، وذلك منذ أمد طويل، بحكم طريقة التفكير التي تربيت عليها والقائمة على اعتماد العقلانية والمنطق العلمي أساساً. أقول ذلك بمناسبة الجدل الذي ينشب أحياناً حول جائحة كورونا : هل هي طبيعية، وتحدٍ للبشرية عليها أن تواجهه بما تملك من خبرة وعلم وتكنولوجيا…. أم مؤامرة يشرف على تطبيقها بيل غيتس وآخرون لتحقيق أغراض موضوعة منذ عقود ؟
لكن !
عندما اتذكّر بان النظام الرأسمالي يسيطر على هذا العالم منذ خمسة قرون ويزيد، وبأنه تحوّل إلى نظام الرأسمالية المتوحشة بعد انهيار بلدان النظام الإشتراكي مطلع تسعينيات القرن الماضي….
وعندما أتذكّر بأن هذا النظام قائم أساساً على تحقيق الربح للرأسمالي، وبأن «الدولار» أصبح شبه الإله الفعلي الذي يعبده الرأسماليون وقطاعات واسعة من البشر المنخرطة، طوعاً وإكراهاً، في هذا النظام ..
عندما أتذكر بأن هذا النظام مصمم أساساً منذ قرون لخدمة اغنياء الأغنياء لكي يراكموا الثروات على حساب الشعوب والأمم ….
عندما تؤكد الإحصاءات والدراسات بأن 1 بالمئة فقط من الزيادة الإجمالية للثروة في العالم بين 1986 و 2012 استفاد منها 90 بالمئة من الطبقات الأكثر فقراً، في حين أن 42 بالمئة من تلك الثروة ذهبت إلى جيوب 0,1 بالمئة الأكثر غنى وثراء !
عندما تُسخّر ما يسمى «الديمقراطية» لخدمة مصالح أغنى أغنياء هذا العالم، في حين يهمل معظم «نواب» الشعوب المطالب الملحة لأغلبية الطبقات الشعبية التي لا تطمح لما هو أكثر من تأمين لقمة العيش وتحسين معيشتها قليلاً !
عندما يسيطر هذا النظام على وسائل الإعلام والإتصال وتجارة الأسلحة والمخدرات والجنس وبيع البشر والتلاعب بطعامهم وشرابهم، ويضرب عرض الحائط بالآثار المدمرة لسياساته على المناخ والبيئة… ثم يتحدث عن «القيم الحضارية» وحقوق الإنسان والحرية … !
عندما يستبسل «النظام الديمقراطي» للولايات المتحدة في ملاحقة رئيس له قضائياً ربما مارس الجنس مع سكرتيرة في مكتبه، ويشغل بها الرأي العام… في حين أنه لا يحاسب رئيس آخر له جر بلاده إلى حرب كلفتها مئات المليارات، بناء على مزاعم كاذبة (أسلحة دمار شامل ؟) ، ويدمّر بلد عريق كالعراق … وأكثر من ذلك «يغرش» على الجرائم ويُعتّم عليها ….!
عندما أرى بأن رئيس هذه القوة العظمى يحتقر أبسط قواعد دستور بلاده ونظامه السياسي، ولا يجد من يردعه… ويتمادى في الكذب والتهريج على رؤوس الأشهاد !…
عندما يشلح هذا النظام الرأسمالي كل أنواع الحياء، ويتنكر لكل قيم الحرية والعدالة والمساواة والسلام التي كان يتبناها قبل قرنين من الزمن؛ ويصمم منذ عقود على دعم ومساندة دولة فاشية عنصرية كإسرائيل، لكي تتمكن من قهر الشعب الفلسطيني وتحرمه من حقه في تقرير المصير والحرية واستعادة أرضه..!عندما أتذكر وسائل التضليل الرهيبة التي يملكها هذا النظام : يجعلك تتذكر غصباً عنك «محرقة»اليهود إلى أبد الآبدين، ويُطنّش عن ذكر المجازر البشعة المرتكبة في عقر داره وفي انحاء عديدة من العالم… !
عندما أشاهد كيف يُعامل شرطي أمريكي مواطن أمريكي لونه أسود بأقصى درجات الوحشية واللأإنسانية لذنب بسيط ، واحياناً بلا ذنب … !
عندما أتذكر بأن «غوغل» أصبحت سيدة «المعرفة» تشطب فلسطين اعتباطياً وتمنع علماء من بث آرائهم حول كورونا وغيرها ؛ أو ترفع من شأن كاتب مغمور لأنه يمالئ الصهيونية….!
عندما اتذكر كل ذلك وغيره الكثير، فلا غرابة أن أفقد الثقة بمعظم ما يصدر عن هذا العالم الظالم الفاحش..وبالتالي لا أحد يلومني إذا وجدت نفسي مرغماً للإصغاء بجدية إلى حكايات المؤامرات !!!