الإرهاب : صناعة غربية بإمتياز

 

 د. سليمان صويص –

الأول نيوز –

لم ترغب الإدارة الأمريكية الحالية أن تمرّ ذكرى أحداث 11 أيلول هذا العام بدون ممارسة المزيد من الإبتزاز لحلب المزيد من الأموال من دول خليجية من خلال طلب التحقيق مع مجموعة من المسؤولين المتهمين بالتواطؤ مع «القاعدة» في ارتكاب تلك الأحداث. والحال، لو كانت الدولة/الدول المتهمة اسمها «نيبال» أو «مدغشقر» لما تذكّرت الإدارة أحداث 11 أيلول بعد 19 عاماً على وقوعها، ولطوت الصفحة نهائياً منذ أمد طويل ! لكن ما دامت الدولة/الدول لديها نفط وأموال، فالإبتزاز و «تذكّر» الأحداث سيستمر إلى أن تنفد الأموال والنفط !

لكن هذا ليس موضوعنا الأساس اليوم. إنه أعمق من ذلك ويتعلق بفبركة ما يسمى «الإرهاب» الذي أصبح بفعل هيمنة إعلام الغرب مرتبطاً بصورة أو بأخرى بالإسلام والمسلمين في ذهن قطاعات واسعة من الرأي العام في الدول الغربية.

هل يجرؤ أحدٌ اليوم على استخراج نسخة من افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» الصادرة في 4/9/2001، أي قبل أسبوع من أحداث نيويورك ؟ لقد كانت أشبه ﺑ «نداء استغاثة» : «نحن نشعر بالإختناق، نريد عدواً، إبحثوا لنا عن عدو… لا يمكن للوضع الحالي أن يستمر»! ال «نحن» هنا تعود إلى «وول ستريت» والنظام الرأسمالي. لقد استنفد هذا استخدام «البعبع» الشيوعي من أجل مراكمة الأسلحة وتطويرها وبيعها لمواجهة ما كان يُطلق عليه «التخريب الشيوعي» في بلدان «العالم الحر» خلال سنوات الحرب الباردة… والآن (2001) أصبح كساد سوق الأسلحة على الأبواب… يجب فبركة عدو جديد يحلّ محل العدو القديم لكي تستمر مصانع الأسلحة في الإنتاج.. لا يمكن للنظام الرأسمالي والسلام أن يجتمعا بالرغم من التضليل الدائم في هذا المجال. تجارة الأسلحة وتغذية الحروب وافتعالها وإثارتها إذا تطلب الأمر هي ما تخدم مصالح النظام الرأسمالي على الدوام. والوقائع التي تثبت ذلك متوفرة ومتاحة لمن يرغب؛ على سبيل المثال لا الحصر، ألا يقف وراء تخويف دول الخليج من «الخطر الإيراني» منذ عقد من الزمن أو أكثر (إضافة لحرف الأنظار عن العدو الرئيسي إسرائيل) عملية ابتزاز هذه الدول لكي تشتري كميات هائلة من الأسلحة الغربية ؟

العدو الجديد هو إذن ما يسمى «الإرهاب» الذي ستطول الحرب ضده إلى ما شاء الله. ولنتذكر اليوم تصريحات شارون، مجرم الحرب ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي آنذاك وجورج بوش الإبن. كان شارون يكاد «يزغرد» بعد أحداث 11 أيلول. فها هي الفرصة قد لاحت لإلصاق وصمة «الإرهاب» بالمقاومة الفلسطينية والنضال الوطني الفلسطيني الذي فجّر «انتفاضة الأقصى» عام 2000 بالرغم من اتفاقية أوسلو. أما بوش الإبن فقد «قرّر» فوراً وبدون انتظار نتائج تحقيق بأن «القاعدة» هي المسؤولة عن أحداث أيلول، مستنداً إلى تصريحات إبن لادن الغوغائية والتي كانت تريد كسب شعبية. وامر بغزو افغانستان بعدها بأسابيع قليلة. وتلاها بعد سنتين بالعدوان على العراق واحتلاله تحت زعم وجود علاقة بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والقاعدة ووجود أسلحة دمار شامل في العراق..

الإرهاب والعنف والحروب صناعة غربية بإمتياز منذ ألف عام : حروب صليبية، حروب دينية استمرت مئة عام في أوروبا (1517 -1648)، حروب استعمارية لغزو العالم (اسبانيا، فرنسا، بريطانيا، ايطاليا، هولندا…) بذريعة نشر الدين والحضارة في حين أن الهدف الحقيقي هو نهب ثروات

الشعوب واستعبادها. مجازر إبادة السكان الأصليين في القارة الأمريكية.. عنف الكنيسة ومحاكم التفتيش، العنف والحروب للقضاء على الوجود العربي ـ الإسلامي في الأندلس، عنف الثورة الفرنسية، حروب القوميات في أوروبا، غزو نابليون لمصر، الحربان العالميتان الأولى والثانية بكل أهوالها وضحاياها وجرائمها، جرائم الإستعمار في الهند والصين والمشرق والمغرب العربيين وفي افريقيا، إرهاب السي أي ايه في دول أمريكا الجنوبية لمنعها من التحرر من هيمنة «اليانكي» ولتثبيت الانظمة الدكتاتورية، وصولاً إلى منظمات الأرهاب من كافة الأيديولوجيات والأديان (منظمات الإرهاب الصهيوني في فلسطين في النصف الأول من القرن الماضي، واستمراره بعد قيام اسرائيل وحتى الآن)، الألوية الحمراء، بادر ماينهوف، الجيش السري في ايرلندا، الإرهاب «الإقليمي» في بلاد الباسك وجزيرة كورسيكا إلخ..

القائمة أطول من ذلك بكثير، والتذكير بها لا يعني بأن الدول الأخرى في العالم لم تمارس الحروب أو العنف عبر التاريخ؛ فالعنف ـ كما قال هيغل ذات مرة ـ «القابلة لولادة التاريخ». لكن الحقائق التاريخية تقول بأن الدول الغربية التي ترفع لواء «الحضارة والسلام والتنمية وحقوق الإنسان» هي التي تقف على رأس القائمة في هذا المجال. والملاحظة الأخرى المهمة : أن هذا التوصيف لا يعني تبرئة منظمات الأرهاب الموجودة في العديد من البلدان العربية والإسلامية من الجرائم التي ترتكبها. وعلى أية حال، لم يعد خافياً على أحد بأن قوى ودولاً اقليمية ودولاً غربية تمد هذه المنظمات بالمال والسلاح.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

نظرة إلى صلابة المملكة وصمودها

الأول نيوز – الدكتور أحمد ناصر الطهاروه – لطالما كان الأردن، هذه المملكة الهاشمية الصغيرة …