ماهر سلامة –
الأول نيوز – إن كنت متأكدا بنسبة 60 % وما فوق بأن حياتك تسير كما تريد، فأنت بخير، وإن كانت النسبة 70 % فأنت بخير وفير، أما إن كانت 50 % وتصارع بين ال 45 % وال 55 % فهذا أصعب وضع، فأنت في حالة متأرجحة من الاْمان وقلته، هنا نشعر بأننا على شواطئ اكتئاب خفي، لا نعرف كيف نفسره، ونتعامل معه.
معظمنا يعيش على حواف نسبة ال 50 %، وهي النسبة الاْصعب من ال 40 %، أو ال 30 % وغيرها، لاْنها تحمل وعدا لنا بأننا بخير وفي نفس الوقت في مهب الريح، فتنطلق قوانا كلها نحو مقاومة هذا الشعور بالخسارة المحتملة فنخبو ونرهق ونتوتر، ولا بد من التنويه هنا أن تحقق الخسارة هو أكثر سهولة من الوقوف بين منطقة الخير والطمأنينة ومنطقة مهب الريح، فحين الخسارة نتأقلم ونعرف حدود حركتنا، ونبحث عن الحلول، حيث تكون طاقتنا في أعلى مراحل تركيزها، فالصراع من أجل البقاء أقوى من الصراع من أجل الإرتقاء.
هكذا عاش الإنسان الاْول، من أجل البقاء، وما علينا عمله الآن لمواجهة ما نمر به من تغيرات حياتية على كافة الصعد، إلا التدرب من جديد على مهارات عاشها الاْجداد عندما واجهوا وباءات كثيرة، ومجاعات كثيرة، وحروب عديدة.
يقول العالم البريطاني جيمس بيرك، ماذا لو فقدت الكرة الاْرضية بسكانها تأريخ الخبرة والمعرفة الإنسانية! ماذا لو فقدنا الكهرباء، وفقدنا مهارات الزراعة، هل سنعرف كيف نشعل النار من احتكاك حجرين؟ هل سنعرف كيف نحرث الاْرض، ونحول البذور الى أشتال، ومن أشتال الى نباتات مثمرة؟
الحكاية هنا ليست مهارات تقنية بقدر ما هي مهارات شخصية لدى الفرد، فمهارات البقاء بحاجة الى مواصفات شخصية، تقاوم الخوف من الموت، مواصفات تعرف الصبر على مواسم الزراعة للحصول على الثمار، مهارات المتابعة والمثابرة والتركيز والتأمل .
هنا اختلفت معاني الحياة العميقة عن حياتنا التي نعيشها الآن، حيث العجلة والسرعة هي قانون المعاني الحالية، وحيث تسود كل معاني السطحية اليومية التي علمنا إياها الاستهلاك والتبذير وغيرهما.
في الحقيقة مواجهة الكورونا لن تكون كافية بقناع، وتباعد، بل مواجهة كورونا تتم بمنظومة ثقافية لعيش جديد، من نوع جديد لم نكن نعرفه، فالتباعد الجسدي لم يكن يوما تباعدا اجتماعيا، فالشعوب التي تؤمن بفرادة الفرد وتميزه كإنسان، تكون المسافة الواقعة بينه وبين الآخر حسب لغة الجسد مترا ونصف المتر، أما في المجتمعات الاْقل تطورا القريبة من ثقافة القطيع فتكون المسافة بينها لا تتجاوز الخمسة وعشرين سنتمترا.
التعلم عن بعد بحاجة الى الشعور بالاستقلالية الفردية، بالشعور بالمسؤولية، التعود على مهارات الإصرار والمثابرة، كيف هذا ومجتمعاتنا تعيش ثقافة الإتكالية الكاملة!
هل يأخذ أهل المناهج بالاعتبار هذه المسائل مثلا؟
في هذا العصر تتغير الظروف، ومعظمنا يشعرون بأنهم مضغوطون، ومراقبون، ومعاني التواصل والاْمان المجتمعي باتت على المحك، هناك شعور عام بأننا مصابون بجرح نفساني كبير، هناك شعور بالخذلان والهزيمة، شعور باللاجدوى، شعور بالانسحاب من كل شيء، معانٍ تتغير، ومشاعر وأحاسيس تخاف المرض وتحسب ألف حساب لعلاجه، ننجو بالحظ، وفي نفس الوقت نشعر أننا لا نثق بمن يوجهنا ويرعانا، ننصاع للقرارت ليس فهما ولا وعيا، إنما خوفا من عقاب، بيننا وبين صاحب القرار مسافات ضوئية من التفهم والفهم لما يجرى، يقولون إنها مؤامرة كورونا عالمية، يشتعل الواتس أب والفيس والانستجرام بفيدوهات وإشاعات وأخبار لا ندري مدى صحتها، هم أيضا أطباء وشخصيات مرموقون… من نصدق؟
كيف نحصل على أفضل حياة في ظل هكذا ظروف؟ هي كلمة واحدة “وازن”! وازن بين الاْشياء والخيارات بهدف أن تحصل على معنى عميق يرويك. فأنت لست مركز الكون، والاْشياء ليست دائما بيدك…حافظ على رقم ال 60 %، وعلى أصحاب القرار أن يساعدوا الشعب والعاملين وأصحاب الاْعمال الوصول الى هذه النسبة المعقولة والحفاظ عليها كمؤشر للسعادة الممكنة في ظل هكذا ظروف. حماكم الله.