المحامي عاكف الداوود –
الأول نيوز – في كل بقاع العالم تعيش الديمقراطية في أزمة ، أحدث تلك الازمات تمثلت في الاسئلة التي طرحها انتشار فيروس كورونا ، حيث تمكنت الصين ، بحكم نظامها غير الديمقراطي بالسيطرة على الوباء بينما فشلت أوروبا وامريكا الديمقراطيتان في كبح الوباء ، فكان ثمن الديمقراطية أعداد كبيرة من الموتى . ويُطرح الان السؤال بقوة في عقر دار الديمقراطيات العريقة ، ماذا تفيد الديمقراطية اذا كانت تؤدي الى الموت والافلاس ؟؟؟
وقبل هذه الازمة ، أزمة الديمقراطية ، فان صعود ترامب الى حكم أمريكا ، كان قد طرح سؤال كبير حول المسار الذي قد تتخذه الديمقراطيه في حال أوصلت رجل مثل ترامب الى الحكم .في حين تشكل نسبة الاقبال على الانتخاب في كل الدول الاوروبية الى طرح السؤال حول صدقية تمثيل الانتخابات لاغلبية الشعب حين تكون نسبة
التصويت بحدود العشرينات بالمائة او حين ينجح اليمين المتطرف في الانتخابات .
أن الاختلاف في الرأي الذي تفضي الى الديمقراطيات في العالم الثالث تجعل من هدف التنمية أمر عسير ، إذ كيف يمكن أن تسير نحو التنمية التي تحتاج الى قرار صارم موحد ، قادر على ازالة العقبات أمام الاستثمار والتنمية في ظل اختلاف المواقف وتبدل الحكومات وتنازع المصالح .
إجمالا فإن نظرة سريعة على الدول التي تحقق نموا اقتصاديا ، فانك ستجد معظمها لا يتمتع بالديمقراطية الليبرالية ، الصين والهند وروسيا ومصر وتركيا ، وفي الوقت الذي اقتربت الصين من احتلال محل أمريكا كأكبر قوة اقتصادية ، فان
اللاديمقراطية التي تمتعت بنعمتها الصين خلال جائحة كورونا تكمنها الان من تحقيق نسبة نمو اقتصادي هو الوحيد الذي تحققه أي دولة في العالم في ظل الجائحة، جاء هذا النمو من مكانين ، المكان الاول هو وجود قطاع عام حكومي لا يقل قوة عن القطاع الخاص ، وفي الوقت الذي أحجم فيه القطاع الخاص عن الاستثمار ، كان القطاع العام الصناعي الصيني ينمو بنسبة ( 5,5%) ويعوض الاحجام الذي يصيب القطاع الخاص في ظروف الركود الاقتصادي ، كما كان مرنا جدا في انتاج كل ما احتاجت اليه الصين لمواجهة كورونا . أما المكان الاخر الذي جاء منه النمو ، فانه كان اللاديمقراطية ذاتها ، حيث استطاعت الدولة المركزية أن تقرر وتنفذ وتمضي قدما ، دون مواجهة اراء وتوجهات متناقضة ، هذا الامر الذي احتاجت أمريكا الى انتخاب بايدن لتغيير مسار التعامل مع كورونا بينما لم تكن الصين بحاجة الا الى قرار من الحكومة لتمضي دون النظر الى الاراء الاخرى .
ان علاقة الديمقراطية بالتنمية تبدو اليوم على المحك ، ولا يظن أحدكم انالتنمية والتطور التقني في بداية صعود أوروبا ومن ثم أمريكا جاء بفضل الديمقراطية وحدها ، انه جاء من تراكم رأسمال المتشكل من المستعمرات ، الامر الذي لا تجده لدى الصين التي استطاعت بناء قوتها الكبرى دون استعمار شبر واحد من اراض الشعوب الاخرى ، وقد يكون ذلك من الحالات النادرة في التاريخ حيث تصعد دولة الى مستوى امبراطورية دون أن تستعمر دول اخرى .
الديمقراطية في الاردن هي ايضا على المحك ، فالغاية منها لم تعد تتحقق ، لا تستطيع اليوم هذه الديمقراطية الرثة بأن تجدد الحياة السياسية ، كما لا تستطيع أن تدفع الاقتصاد الى النمو بل العكس هو الصحيح ، وهي عاجزة عن تقوية العلاقة بين الشعب والدولة ، كما أنها اداة انقسام لا أداة توحيد ( كثيرا ما كانت الديمقراطية وسيلة لتوحيد دولة مقسمة ) ، وهي ايضا ، رثة الى الحد الذي أصبح النائب يستطيع النجاح بعدد أصوات لا يزيد عن الالفين في بلد أصبح عدد سكانه تسعة ملايين ، أي انه يمثل (0.05%) ممن يحق لهم التصويت البالغ عددهم اربعة ملايين تقريبا . اذا كانت الانتخابات لا تستطيع تجديد الحياة السياسية فما الفائدة منها ، عادت الروح لامريكا منذ عشر سنوات مرتين ، خلالها تجددت أمريكا
، مرة حين استطاع الشعب الامريكي أن ينتخب أوباما الاسود بعد أن كان يحكمها بوش الابيض الذي يشبه الكابوي ، بينما استطاعت اليوم انتخاب بايدن بعد اعتقد العالم ان امريكا أصبحت في قاع الهاوية مع ترامب ، لو لم يحدث هذا التجديد ، لدخلت امريكا في نفق مظلم . أما الاردن فانها الان في قاع الموت السريري السياسي ، وكما جددت هبة نيسان عام 1989 وما تبعه من انتخابات تكاد تكون نادرة الحياة السياسية ، فانها الان بحاجة الى تجديد روحها السياسية ، انها بحاجة اما الى حكم مركزي يضع خطة تنموية تذهب بناء الى اعادة الاعتبار للصناعة والزراعة والتعليم في شيء يشبه ما يحدث في مصر ، أي التركيز على النمو الاقتصادي أو الذهاب الى تجديد الحياة السياسية ، وهذا يحتاج الى تعديل في قانون الانتخاب وتحتاج الى مؤتمر وطني يناقش الازمة بين الدولة والشعب .
لا اعرف اذا كان أي من الخيارين ممكنان أو قائمان أصلا ، لكنني أعرف تماما ، من خلال السنوات العشرين الماضية ، بأن أيةاجراءات تتخذها الحكومات لاعادة الثقة بين الشعب والدولة لم يكتب لها النجاح لابل أدت الى ازدياد الهوة .