الضربة التي لا تُميتك تُقويك

ماهر سلامة –

الأول نيوز – هنالك وهنا وفي كل مكان، ومن كل نافذة وباب يهاجم انفجار بيروت الرهيب كل مترِ أمانٍ يسكن في قلبه أهل بيروت العظام.

بسرعة 2500 متر بالثانية يتحرك الهواء من إثر انفجار خبيث نازعا كل فرصة أمل في طريقه، هاجم كل زاوية بها إنسان.

في مشهد ترقبه الكاميرات ترى كيف ينقلب السِّلم الى خراب في ثانية، لا بل الى جحيم لا يمكن استيعابه أبد الدهر.

إنها القيامة التي يصنعها الإنسان، كبروفة للقيامة الإلهية التي قد تكون  أكثر رحمة مما حدث.

لا يمكن وأنت تعيش حالة الذهول هذه إلا أن تترك كل توافه الحياة التي كانت تدور بعقلك، فالمشاهد لها قدرة هائلة على اختراق عقلك، لما تحمله من دراما أكثر لؤما من كل الحروب.

هي دراما تحمل من العذاب ما لا يحتمله الإنسان وسكان بيروت خاصة على مدى سنوات جارحة مقبلة.

في المستشفى تحمل ممرضة 3 أطفال رضّع راكضة نحو الخلاص، نحو جحيم الشارع، لتعود كل لحظة تعد رؤوس من تحملهم لتتأكد أنهم ما زالوا ثلاثة.

تعود لترى أن طاولات الاستقبال قد تحولت الى أسرة للطوارئ، فمرضى المستشفى جرحى، والممرضون والاْطباء جرحى، والقادمون من جحيم الشارع جرحى، ينشدون الخلاص والشفاء من بعضهم بعضا.

غرف العمليات يملأها الغبار والخراب، وأدوات الجراحة محطمة ومتناثرة، والممرات ممتلئة بكل ما استطاع هواء الانفجار صنعه، حطام وحديد وخشب واسمنت وحجارة ودماء وموت.

لم يتصور أحد أن فقدان السلام مجتمعا مع فقدان النظام، على أهم مسارح الاْمان “المستشفى” قد أفقد الحياة كل معانيها، ليس في ذلك الوقت فحسب، بل انسحب ليكون أهراما في ذاكرة الإنسانية، فما بالك عند أهل بيروت.

يتحرك شباب وصبايا لبنان وبيروت بمكانسهم لإزالة الركام الهائل من شوارع المدينة، يكنسون أرتالا وأطنانا من ذكرى السلام اليومي، وفي عَصاة المكنسة أملٌ في كتابة القصائد اللاحقة، عن هذه الملحمة.

شاهدت كل أنواع التضحية والفداء عند أهل وشعب لبنان عندما حلت الكارثة، وفي أعينهم تندر هل كان للكارثة أن تحل لنعي ماذا يخبئ لنا أعداء لبنان من جيوش الفاسدين وأسيادهم؟!

لا يمكن لهذا الشعب العظيم المقاوم لكل المؤامرات التي تحاك ضده إلا أن يكون مثالا للوطنية اليومية ضد كل خبث يحاول حرمان شعبنا اللبناني من نيل حقوقه في النفط والغاز واستخدام مينائه الفينيقي ليجوب العالم كما حدثتنا أساطير الفينيقيين، أم أن ميناء حيفا المحتل يرفض هذا التأريخ المجيد للبنان؟!

عقل وعلم وحضارة لبنانية عربية مجتمعة مع نفط وغاز وثراء!! لا شك أنها معادلة يصعب أن يقبلها الصهيوني، فهو عاجز حتى عن منافسة يافطة صغيرة في لندن مكتوب عليها Lebanese Food ( أكل لبناني)، فلبنان بات ماركة عالمية بفضل أهله العظام من مفكرين وشعراء ودور أزياء وصناع سينما وأهل فن ومغنى وموسيقى مجتمعين مع علم وعلماء كثيرين.

لبنان كالحضن، فهو أكثر الاْماكن الضيقة إتساعاً، وسيقوى على جراحه يوما…ولن يموت…ولن نموت.

تحيا لبنان.. ويحيا العرب.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

المرأة في الفنون: من جدران الكهوف إلى صالات العرض

الأول نيوز – د : مارغو حداد-   في يوم المرأة العالمي، لا نعيد صياغة …