الدكتورة سهام الخفش –
الأول نيوز – فيروس كورونا مازال يثير جدلا وتراشقا بالاتهامات حول ماهيته إن كان مصادفة طبيعية أو سلاحا بيولوجيا، ما أدخلنا في متاهة الحرب البيولوجية.. ونحن ندق طبول الحرب لإعلان النصر على هذا الفيروس الخبيث ، ليخرج الانسان منه – بعد أن وقع في مصيدة الحَجْرِ والتخندق في البيوت بلا عمل، ما أدى إلى شلل شبه تام في الاقتصاد ، وهزات نفسانية واجتماعية غير مسبوقة – إنسانا مختلفا عما كان سابقا.
وما زال في أحشاء هذا الفيروس عددٌ من التساؤلات والاستفسارات قد تتضح معالمها لاحقا ..
لقد طالت الشكوك حوله مؤخرا بأعداد الوفيات بسبب كورونا أو إلصاق سبب الموت بكورونا لحاجة في نفس وزير او مسئول قضاها ..
لا شك أن الفيروس فتك بالإنسان وقد تخطى عدد الوفيات عتبة المليون شخص حول العالم غير أعداد المصابين الذين يصعب حصرهم ما بين ناقل ومصاب.
وأضفى مزيدا من الهشاشة على عالمنا الهش غير الآمن أصلا.
إن مفهوم الإنسانيّة بأبسط صوره ومعانيه بعيدا عن التعريفات المعقدة ووجهات النظر المختلفة ، يتفق بمجمله على قيمة الانسان كفرد ، ويرتكز على منظومة من القيم التي تحمي الانسان كي يعيش بتصالح مع نفسه ومع الطبيعة التي تشبهه ..وما زال الانسان يقدم قرابين وتضحيات من أجل البحث عن مستقر يحفظ له قيم العيش والمصير.
إن المحن والمصائب هما من الفرص التي قد تترجم معنى مفهوم الانسانية وتقربنا أكثر من بعضنا بعضا، إلا أننا للأسف غاب عنا هذا المفهوم ، وأجد أننا أصبحنا نعيش كالغرباء ..كل منا يتفقد نفسه بنفسه ..
الفقير زاد فقرا، والبائس زاد بؤسا، والتعيس مرمي في أحضان الهموم.. والغني زاد ثراء ..
وكما وصفت منظمة الصحة العالمية الجائحة بأنها: “أسوأ كارثة إنسانية نواجه بعد الحرب العالمية الثانية”.
إذا متى ستظهر معالم الانسانية وادواتها.. ما الذي يحدث في هذا العالم ؟ وأي مستقبل ينتظر هذه البشرية المنشغلة عن ذاتها بمزيد من الحروب والتسابق نحو امتلاك الأسلحة المدمرة والأمراض الفتاكة؟ وأي عداء مستعر ومستمر بين البشرية والطبيعة ..
ما نشهده اليوم يقودنا إلى سؤال فلسفي مهم ؟ هل خسرنا الإنسان أم الإنسانية ؟
هذه معادلة لا تحتمل سوى التوازن بينهما ، لا إنسان من دون انسانية ولا انسانية من دون انسان ، فإذا اختل التوازن فالمجتمعات بأكملها تصبح مهددة نحو الإنزلاق إلى الفوضى والتفكك والإنهيار ..
والعلاقة بينهما علاقة ديناميكية وتبادلية مرنة خاصة تحت وطأة الظروف الاستثنائية ..
خُلق الانسان لأجل المحبة والتسامح والعطاء وإعمار الأرض والتمتع بالطبيعة، فهو على علاقة وطيدة معها ، فقد تحداها وتكيف معها لأنهما يشكلان حالة من الابداع الفكري .
وليست معركتنا معها بقدر معركتنا مع البشر الذين يعيشون فوقها ، من دمار وحروب وجشع وطمع وفتك وفساد ، اسقطوا جميع القيم من حساباتهم وغلفوا مصالحهم بقماش من حرير باسم الحرية والانسانية ..أصبحنا دمى وأحجار شطرنج بين لاعبين اتقنوا فن اللعب ..
لا أدري متى سنستفيق من هذا الرعب والذعر ، متى سيصحو العالم ويعمل لخدمة البشرية ورفاه الانسان والارتقاء بالإنسانية ..متى ومتى ..